مما لا ريب فيه أن المسلمين عموماً تطبق عليهم خطط وتنفذ فيهم مؤامرات قد
أحكم حبكها ولا أظن (أننا) في حاجة إلى ضرب الأمثلة على هذا الواقع فإن كل
شيءٍ يشهد بذلك من الاستعمار الفعلي إلى الاستعمار الفكري إلى التفرق
الحاصل بين المسلمين في نظرتهم إلى الأخوة فيما بينهم وإلى ولاءاتهم
المختلفة بل المتناقضة وإلى الطوق الغليظ الذي وضعوه في أعناقهم من حيث
يعلمون أو لا يعلمون وهنا (نعتذر) عن المتابعة والاستفاضة في دراسة جوانب
التأثير الذميم النازل بأحوال المسلمين عموماً فقد كتب المصلحون والناصحون
والمفكرون ما يشفي ويكفي لو كان السامعون أحياء القلوب إلا أن أكثرهم
أصبحوا كما قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حياً
|
|
ولكن لا حياة لمن تنادي |
وتحقق ما نسب إلى الشافعي رحمه الله في قوله:
نعيب زماننا والعيب فينا
|
|
وما لزماننا عيب سوانا |
نعم
(نعتذر) عن الاسترسال في الكتابة عن هذا المجال فإن حديثه ذو شجون وأحداثه
تكاد أن تتكلم عن نفسها فالخطب جسيم والحمل عظيم وإذا لم يفق المسلمون
اليوم فإن قوارع الدهر وسنن الله في خلقه ستوقظهم عاجلاً أم آجلاً ولنتحسر
مع القائل:
أمرتهمو أمري بمنعرج اللوى
|
|
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد |
نترك
الكلام عن أحوال المسلمين وفرقهم وأحزابهم المتناحرة وولاءاتهم المتناقضة
والإهانات التي تواجههم في كل مكان وفي كل يوم على أيدي أعداء الإسلام من
اليهود والنصارى والمجوس وسائر ملل الكفر والضلال الذين تداعوا على
المسلمين كما تتداعى الأكلة على قصعتها كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى
صلى الله عليه وسلم
.
نترك
هذا كله لنتجه بالنصيحة إلى البقية والصفوة من المسلمين الذين بقوا قابضين
على مفاهيم كتاب ربهم وسنة نبيهم إلى الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنهم سيبقون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي
أمر الله مهما كانت قلتهم ومهما كانت حالهم الذين أدركوا أنهم تتهددهم في
دينهم وفي دنياهم بل وفي وجودهم أخطار كثيرة تتطلب جمع الكلمة وصدق
المؤازرة ونشر
النصيحة صافية نقية في جميع الجوانب وهي كثيرة الجوانب جداً وما لا يدرك كله لا
يترك كله فعسى أن يكون في التذكير بها فتح باب خير وعودة وثبات إذ من
السهولة العودة إلى ما كان عليه المسلمون في ماضيهم من
العزة والمنعة حين تكون النيات خالصة والقلوب متوجهة بصدق ومن تلك الأخطار التي بقيت للمسلمين ما أشير إليه هنا بإيجاز سريع:
1- محاربة المسلمين في تمسكهم بكتاب ربهم تعالى.
2- محاربة المسلمين في تمسكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
3- محاولة دق إسفين بين الكتاب والسنة وذلك بدعواهم أنه يجب الأخذ فقط بالقرآن الكريم دون السنة النبوية.
4- بتشكيكهم في صلاحية تعاليم ديننا الإسلامي في هذا العصر بزعمهم.
5- بث الدعايات ضد أهل السنة وتشويه ما هم عليه من المعتقدات الصحيحة.
6- محاربتهم عن طريق تمجيد العقل وتقديسه وجعله مصدر التشريع.
7- محاربتهم عن طريق التأويلات الفاسدة للنصوص لإبعادهم عن مدلولاتها.
8- محاربتهم عن طريق الحرب النفسية وإدخال
اليأس والوهن في قلوبهم.
9- محاربتهم عن طريق تقوية بعضهم على بعض ليضربوا عصفورين بحجر:
أ- إضعافهم مادياً وبشرياً.
ب- دوام حاجتهم إليهم.
10- إحياء البدع على أعلى المستويات بل ومحاولة إخضاع أهل الحق لها بالترهيب والترغيب.
11-
محاولة حصر مفهوم الإسلام وتعاليمه في القيام بالعبادة فقط دون أن يكون له
أي شأن في حياة الناس وسلوكهم وسموه في الجانب الروحي حتى ظن كثير من
الناس أن أهل السنة والمتمسكين بالدين لا يعرفون ما وراء المسجد شيئاً عن
الحياة.
12- إشغال أهل الحق بفتن مختلفة ونظريات باطلة بقصد صرفهم عن التوجه إلى نقد المخالفين أو بقصد إشغالهم بالردود عليها.
13-
إشغالهم بدعوات التجديد في الدين أي بإحداث البدع وإحداث أمور في الشريعة
الإسلامية ما أنزل الله بها من سلطان خصوصاً وهذه الدعوات تصدر عن أناس
يجهلون كثيراً من أحكام الشريعة وحكمها.
14- تأييد كل الدعوات الهدامة
والمبادئ المنحرفة كدعوى النبوة ونسخ الشريعة الإسلامية بها مع أنها قضية
معلومة من الدين بالضرورة لا يجهلها مسلم سليم الفطرة والعقل ومن أوتي ولو
يسيراً من العلم فإن ختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثبتت في
القرآن الكريم وفي السنة النبوية قال الله تعالى: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]
وفي أحاديث كثيرة يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه آخر الأنبياء لا نبي
بعده ومن ادعاها فهو كاذب مفترٍ على الله تعالى وثبت هذا في قلب كل مسلم
فجاء أهل الباطل بتأويلاتهم الفاسدة للنصوص وأفرغوها من مدلولاتها الحقيقية
وألبسوها معاني زور هي منها براء كزعمهم أن خاتم بمعنى أفضل أو خاتم
الأنبياء المشرعين أو أن خاتم بمعنى زينة كزينة الختم في الورق، لقد أفرغوا
معنى ختم النبوة من معناه فذهبوا يدعون أنهم أنبياء وأنه يجب على كل مسلم
أن يؤمن بهم بعد أن شنعوا على أهل السنة والجماعة وكفروهم لعدم انسياقهم مع
هذه الضلالات المعلوم بطلانها من دين الإسلام بالضرورة وشغل أهل السنة
بمقارعتهم والردود عليهم وذهبت أوقات وجهود كان ينبغي أن تستغل لرفع راية
الإسلام خفاقة لو لا تكالب أعداء الإسلام ومخططاتهم الخطيرة ولكن الله متم
نوره ولو كره الكافرون إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] وما حفظه الله فإنه لا يستطيع أحد أن يضيعه.
ثم
وضعوا أمام أهل السنة عراقيل كثيرة في حرب ضروس معهم تمثلت من ضمن ما
تمثلت فيه بث الفرقة وقيام الأحزاب التي قامت على الهوى والأنانيات البغيضة
غير ملتفتين إلى النصوص المتضافرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه
الصلاة والسلام بالتحذير من هذه المسالك التي يعج بها العالم اليوم خصوصاً
العالم الإسلامي الذين لا يريدون أن يتعظوا بغيرهم بل يريدون أن يكونوا هم
العظة وهو ما حصل بالفعل حينما اتبعوا سنن من كان قبلهم شبراً بشبر وذراعاً
بذراع حتى لو فكر أولئك في دخول جحر الضب لوجد من بعض المسلمين اليوم من
يريد ذلك وهذا يدل على الانهزامية الكاملة والانبهار بما عند الغرب أو
الشرق من مغريات الحياة الدنيا التي يعلمون ظاهراً منها وهم عن الآخرة هم
غافلون مصداقاً لما أخبر الله به من أنه سيريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم
حتى يعلموا أنه الحق وأن ما هم عليه إنما هو ابتلاء وإقامة للحجة عليهم
وإلا فليسوا أقرب إلى رضاء الله من خلّص المؤمنين الذين لا يملكون تلك
المادة التي يملكها أعداء الإسلام مع أن الواقع يشهد بما عليه حال أهل
السنة من ارتفاع الكلمة والعزة حتى بين أظهر أعداء الإسلام فإن مساجدهم
عامرة وشعائرهم قائمة قد حفظ الله بهم دينه وأعلى بهم كلمته وذلك بدون شك
أنه بسبب تمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم وسيرهم على ما كان عليه الصحابة
الكرام رضوان الله عليهم وهو الطريق الذي يأمن سالكه من التفرقة في السبل
المتشابهة الكثيرة المؤدية إلى الضياع والهلاك والتمسك بهدى الصحابة رضوان
الله عليهم أولئك الذين امتازوا بالذكاء ورجاحة العقل والأخذ من فم النبي
صلى الله عليه وسلم أو لم يسمع منه مهما كان صلاحه ورجاحة عقله أولئك هم
الجماعة وهم الذين بشرهم نبيهم بأنهم ومن يتبعهم سيبقون ظاهرين على الحق
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإذا كانت دراستنا ومناقشاتنا.. تخص
فريقاً من أكرم الناس وهم أهل السنة والجماعة فلنبدأ بالتعريف بهم وإجلاء
حقيقتهم وحقيقة مبادئهم والأدلة على ذلك.