أبو الكرم

موضوع: أبو الكرم الأربعاء نوفمبر 20, 2013 7:04 pm

أبو الكرم

"عبيد الله بن عباس"

هو عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم.. ويكنى "أبا محمد".
صحابي جليل.
وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأخو "عبد الله بن عباس" (ترجمان القرآن) الذي كان يكبره بعام واحد.
وأمه هى السيدة أم الفضل "لبابه بنت الحارث الهلالية" أخت أم المؤمنين السيدة "ميمونة"- رضى الله تعالى عنهم أجمعين-.
ولد "عبيد الله" بمكة المكرمة، في أول أعوام الهجرة النبوية الشريفة.
وقد نشأ-رضى الله عنه- في بيت من أعظم وأعرق بيوتات مكة تاريخيا، ونسبا.. وبطولة.. فشبَّ على التقوى والورع.. وتربى على الصدق والأمانة.. ونمت عظامه على الزهد والعفاف.
وكيف لا ؟! وقد تفتحت عيناه على تعاليم الإسلام، وقيمه ومبادئه السمحة العظيمة.. فكان- منذ صغره- طفلا وسيم الوجه جميلا جدا (يشبه أباه في الجمال).. وكان صبيا ناضج العقل.. واسع الأفق.. رحيم القلب.. رقيق الحس.. صاحب فطرة إيمانية صادقة، وبديهة حاضره، وفكر راسخ.
ولأن رسول الله "الرحمة المهداة" دائم الصلة بأهله وعشيرته.. كان صلى الله عليه وسلم يداعب "عبيد الله" وأخاه "عبد الله" ويلاعبهما قائلا:
"من سبق إلىّ فله كذا".
فيستبقان إليه، ويقعان على ظهره وصدره الشريفين، فيقبلهما ويلتزمهما.
وقد عرف "عبيد الله" بالجود، والسخاء، والكرم... وكان يضرب به المثل في ذلك. حتى لقد قيل عنه أنه "أول من بسط الموائد على الطرق للفقراء والمساكين وابن السبيل".
وقيل: "إذا قدم عبيد الله وأخوه عبد الله إلى المدينة فيوسعهما "عبد الله" علما.. ويوسعهما "عبيد الله" كرما".
وهناك من الأمثلة الكثير والكثير تبين مدى سخاء "عبيد الله" وكرمه.
ولعل أبرز الأمثلة على هذا الفيض الهائل من الجود.. أن "عبيد الله" نزل مع مولاه (أي خادمه) في إحدى سفرياته، على خيمة رجل من الأعراب.. فلما رآه الأعرابي أعظمه وأجله، بعد ما رأى حسنه وشكله.
وبعد أن رحَّب بهما قال لزوجته:
"ماذا عندنا لضيفنا هذا؟".
فقالت الزوجة:
"ليست عندنا إلا هذه الشويهة (شاة صغيرة) التي حياة ابنتك من لبنها".
فقال الأعرابي:
"إنه لابد من ذبحها".
فقالت:
"اتقتل ابنتك؟!".
ولكن الأعرابي يصر على موقفه، فقام وذبح الشاة، وسلخها، ووضعها بين يد "عبيد الله"- الذي كان يسمع كل ما دار بين الرجل وزوجته-.
وبعد ما فرغ من تناول الطعام، قال "عبيد الله" لخادمه متسائلاً:
- "كم معك من المال؟".
فرد الخادم قائلا:
"معي خمسمائة دينار فضلت من نفقتك" فقال:
- "ادفعها للأعرابي!".
ويتعجب الخادم ويقول:
"سبحان الله ! تعطيه خمسمائة دينار، وإنما ذبح لك شاة واحدة تساوي خمسة دراهم؟!".
ويضيق "عبيد الله" بخادمه ويقول له:
"ويحك.. والله لهو أسخي منا وأجود.. لأننا إنما أعطيناه بعض ما نملك، وجاد علينا هو بجميع ما يملك، وآثرنا على مهجة نفسه وولده".
ولم يكن "عبيد الله" سخيا جوادا وحسب، لكنه كان مؤمنا حقا.. وزاهدا حقا.. وذاكرا حقا.
وكان تقيا عادلا، وعالما متفهما.. لا يتوقف لسانه عن تلاوة القرآن، ولا يمل جسده من قيام الليل، ولا تشتغل جوارحه إلا بطاعة الله، وكثرة الدعاء، ودوام الاستغفار.
وإلى جانب كل هذه الصفات والسمات.. كان "عبيد الله" علما من أعلام الصابرين المحتسبين.
وليس هناك دليل أزهى من ذلك الحدث الجلل الذي تتصدع له الجبال، وترتعد له الأفئدة، وتشرد له العقول:
فبينما هو يمارس إدارته لشئون اليمن، يفاجئه "معاوية" بأن بعث إليه رجلا يدعى "بسر بن أرطأة العامري" ليتولي شئون الولاية .. وكان "بسر" هذا طاغية.. لا يربطه بالإنسانية شيء.
ولما علم "عبيد الله" بوصول ذلك "الأَشِر" هرب تاركا زوجته وطفليه على أن يلحقوا به.. فلم يتوقع، لحظة، أن هذا الشرير سيلحق بهم أي ضرر.. لأن تعاليم الإسلام الحنيف تحرم إيذاء النساء والأطفال.
ويُخَيِّب "بسر" كل التوقعات.. ويرتكب أبشع جريمة في حق الإسلام.
لقد ذبح "بسر السفاح" طفلى "عبيد الله" وهما بين يدي أمهما.. دون أدنى شفقة أو رحمة.
ولما علم "الأب"- بعبيد الله – دمعت عيناه، ولكنه دخل المسجد واستغرق في الصلاة.. واحتسب لله.
وتمضي الأيام "بعبيد الله".. حتي اشتاقت روحه العفيفة إلى بارئها.. فمات بالمدينة المنورة (وقيل باليمن) بعد سبعة وث

» الكرم النبوي