عَالِم الجزيرة

عَالِم الجزيرة
«ميمون بن مهران»
هو ميمون بن مهران الرقي.. ويكنى «أبا أيوب». تابعي جليل.. وفقيه من القضاة. وعالم من أجل العلماء في عصره.. وهو إمام أهل الجزيرة الفراتية وسيدها..
وهو كاتب أمير المؤمنين «عمر بن عبد العزيز» -رضي الله عنه-.
ولد -رضي الله عنه- بعد سبعة وثلاثين عامًا من الهجرة النبوية الشريفة.
وقد نشأ «ميمون» بالكوفة، وعرف -منذ طفولته- بذكائه، وقوة إيمانه، وملازمته للقرآن وللعلماء.. حتى أصبح فقيها مشهورًا، وعالما زاهدا، وإماما حافظًا، وفيلسوفا عظيما.يتزاحم الناس في مجلسه، ويتسابقون في التقرب إليه، للاسترشاد برأيه، واتباع نصائحه.
وعرف «ميمون» -أيضًا- بطلاقة لسانه، وصدق بيانه.. واجتهاده في العبادة. فلا تراه إلا مداوما لذكر الله، ومكثرا من الصلاة على رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومرددا لآيات الاستغفار والتوبة إلى الله والتضرع إليه.
ولا تراه إلا دائم البكاء، يضطرب قلبه، ويقشعر جلده، وترتعد فرائصه، كلما ذُكر أمامه اسم الله، من فرط خشيت منه، وتعظيمه له. وتمَّيز «ميمون» بتقديم النصيحة لتلاميذه، ومريديه، يحببهم في كل ما هو خير، ويحذرهم وينهاهم عن كل ما هو شر. قال لأحد تلاميذه ذات يوم: «ثلاثة لا تبلون نَفْسك بهن: لا تدخل على سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت أعلمها الكتاب، ولا تصغين بسمعك إلى ذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك من هواه». ويحث «ميمون» تلاميذه وأصحابه على دوام التوبة إلى الله فيقول: «إن العبد إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة «أي علامة» سوداء، فإذا تاب محيت من قلبه، فترى قلب المؤمن مجليا مثل المرآة، وما يأتيه الشيطان من ناحية إلا أبصره (أي فطن إلى ألاعيبه) .. وأما الذي يتتابع في الذنوب (أي الذي يصر عليها) فإنه كما أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، حتى يسود قلبه، فلا يبصر الشيطان من أين يأتيه».
وينصح «ميمون» من حوله فيقول: «من أساء سرًا فليتُب سرًا، ومن أساء علانية فليتُب علانية.. فإن الله يغفر ولا يعير، وإن الناس يعيرون ولا يغفرون». وقد روى الإمام أحمد عن «ميمون» أنه قال: «يا ابن آدم.. خفف عن ظهرك، فإن ظهرك لا يطيق كل هذا الذي يحمل.. من ظلم هذا.. وأكل مال هذا.. وغشم هذا، وكل هذا على ظهرك تحمله.. فخفف عن ظهرك»!!.
ولأنه عالم جليل، وفقيه مشهور، فقد سُئل في حياته الكثير والكثير من الأسئلة.. ولكن لم يصادف «ميمون» سؤالا سبب له حرجا مثل هذا السؤال الذي يقول: «أعلى -يقصد علي ابن أبي طالب- أفضل عندك أم أبو بكر - وعمر؟
ويرتعد «ميمون» وتسقط عصاه من يده، ويقول بفطنة المؤمن، وذكاء العالم:
«ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما غيرهما.. إنهما كان رداءي الإسلام، ورأس الإسلام، ورأس الجماعة».
ولم يكن «ميمون» فيلسوفًا عبقريًا، ومعلما فذًا، وفقط، بل كان فارسا شجاعا.. فكان في مقدمة الجيش الجيش الشامي مع «معاوية بن هشام بن عبد الملك» عندما عبر البحر غازيا إلى قبرص، بعد مائة وثمانية أعوام من الهجرة. ويقضي «ميمون» أواخر أيامه «بالرقة» (إحدى بلاد الجزيرة الفراتية) والتي ولاه «عمر بن عبد العزيز» على خراجها وقضائها. وتمضي الأيام «بميمون» حتى يتوفاه الله، بعد مائة وسبعة عشر عامًا من الهجرة، وعمره نحو ثمانين عامًا.
إنه «ميمون بن مهران» المؤمن الزاهد.. الذي قضى عمره كله مفسرًا لكتاب الله، شارحًا لسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
رحم الله «ميمون».. الفيلسوف .. المتمسك بالقرآن الكريم.. الرجل الذي كان -دواما- يقول: «من اتبع القرآن قاده القرآن حتى يحل به الجنة.. ومن ترك القرآن لم يدعه القرآن يتبعه حتى يقذفه في النار»!!

» لماذا خرج المسلمون من الجزيرة العربية
» الدعوة إلى الإسلام خارج الجزيرة العربية