رحَّالة العلم

رحَّالة العلم
«مكحول بن أبى مسلم»
هو مكحول بن أبي مسلم (واسم أبي مسلم شهزاب بن شاذل).. ويكنى «أبا عبد الله». تابعي جليل.. فقيه أهل الشام في عصره. وهو من كبار حفاظ الحديث. لم تذكر كتب السيرة تاريخا لمولده، كما اختلف المؤرخون في مكان ولادته ونشأته.
لكن أغلب الأقوال تؤكد أنه -رضي الله عنه- ولد ونشأ وترعرع بمدينة «كابل» .. وكان ضمن أسرى هذه المدينة في الحروب، وصار مولى لامرأة بمصر من بني «هذيل» .. وقيل لامرأة من آل الصحابي الجليل «سعيد بن العاص» -رضي الله عنه-. وهناك من يقول إنه من سلالة الأكاسرة.
عرف «مكحول» منذ صباه بحبه الشديد للعلم، ولهفته القوية للمعرفة، ورغبته الدائمة في مجالسة أهل الفقه.. مهما كلفه ذلك من تعب ومشقة ومال.
وكان يمتطي راحلته ويسافر إلى أي بلد مهما كان بعيدًا، ليطلب العلم، ويتلقى الأحاديث، ويتزود بالفقه.. حتى إنه قال عن نفسه. «طُفت الأرض كلها في طلب العلم». ويبرز اسم «مكحول» في بلاد الشام، ويذيع صيته في باقي الأرجاء الإسلامية، لغزارة علمه وفقهه، وقوة إيمانه ويقينه.. فأصبح من العلماء المعروفين والفقهاء المعدودين في الإسلام في ذلك الزمان.. حتى أن «الزهري» عده بين علماء الفقه الأربعة، فقال: «العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالحجاز، والحسن البصري بالبصرة، والشعبي بالكوفة، ومكحول بالشام».
ولم يكتف «الزهري» (وهو أول من دون الحديث) بأن عده من أكابر علماء الإسلام، بل ميزه عن غيره، بغزير فقهه وتبحر علمه بالفتيا. فقال: «لم يكن في زمنه أبصر منه بالفُتيا».
ولم يكن «مكحول» عالما، وفقيهًا، ومفتيًا، وحسب، بل أنه كان مؤمنا صالحا، وإماما حافظا، وزاهدا عظيما، وتقيا ورعا. يوصل الليل بالنهار بين الركوع والسجود وتلاوة القرآن والتبتل إلى الله والتضرع إليه.
فتراه مداوما لذكر الله، والصلاة على رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومرددًا لآيات الاستغفار والتوبة. وتراه -أيضًا- دائم البكاء، يضطرب قلبه كلما ذكر اسم الله خشية منه، وتعظيما له.
وإلى جانب كل هذه الصفات الإيمانية التي يتمتع بها، كان «مكحول» قويا في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم. ويؤكد «ابن جابر» ذلك فيقول:
«أقبل زيد بن عبد الملك إلى مكحول، وهو في أصحابه، فهممنا بالتوسعة له. فقال مكحول: «مكانكم، دعوه يجلس حيث أدرك». هكذا كان إيمانه وثقته بالله وهكذا كانت مكانته وهيبته بين الناس.
وتمضي الأيام «بمكحول» وهو يعلم الناس أصول الفقه، فاستقر في أواخر أيامه بدمشق، حتى اشتاقت روحه المؤمنة إلى خالقها.. فمات بها، بعد مائة وثلاثة عشر عامًا من الهجرة.
مات «أبا عبد الله» رحالة العلم.. الذي كان -دواما- يحث من حوله على النظافة فيقول: «من نظف ثوبه قل همه.. ومن طاب ريحه زيد في عقله».
هذا هو «مكحول الشامي».. العالم والفقيه. الرجل الذي فسر قول الله تعالى: «ثم لتسألن يومئذ عن النعيم» فقال: «بارد الشراب، وظلال المساكن، وشبع البطون واعتدال الخلق، ولذاذة النوم».
رحم الله «مكحول» .. المجاهد العظيم الذي وهب حياته في سبيل نشر الدين الإسلامي الحنيف.

» سلسلة طالب العلم (4) مظاهر الرياء عند طلبة العلم !!!
» سلسلة طالب العلم (2) أقوال السلف في طلب العلم ... !!!
» سلسلة طالب العلم (3) إخلاص النية في طلب العلم ... !!!
» سلسلة طالب العلم (1) فضل طلب العلم !!!
» المنهجية في طلب العلم