كثير التدبُّر

كثير التدبُّر
«ابن خثيم»
هو الربيع الربيع بن خثيم الثوري.. من بني تعلبة بن عامر.. ويكنى (أبا يزيد».
أحد كبار التابعين، العابدين. وقد أدرك عددا كبيرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم الصحابي الجليل «عبد الله بن مسعود» الذي قال له ذات يوم:
«يا أبا يزيد.. لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآك لأحبك.. وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين» (أي الخاشعين المتواضعين).
لم تذكر كتب السيرة، على وجه التحديد، تاريخًا لمولده، أو نشأته.. لكنه -رضي الله عنه- كان عالما جليلا، وفقيها مشهورا.. عرف بطلاقة لسانه، وحسن بيانه، وقوة بلاغته، وعذوبة حديثه.
تتوافر فيه كل صفات المؤمن الصادق، والعالم الفقيه، والإمام الزاهد.. لا ينقطع قلبه عن ذكر الله، ولم يتعود لسانه إلا على قول الحق والصدق.. حتى أن أحد أصحابه قال لقوم من الناس يأتون «الربيع» ليزوروه: «إنكم لتأتون رجلا إن حدثكم لم يكذبكم. وإن وعدكم لم يخلفكم.. وإن ائتمنتموه لم يخنكم».
ولأنه كان فصيح اللسان، حلو الكلام.. فقد نصح «الربيع» ابنه «عبد الله» ذات ليلة فقال له: «يا عبد الله.. قل خيرا، أو اعمل خيرا، ودم (أي داوم) على صالحه، لا يطولن عليك الأمد، ولا يقسون قلبك، ولا تكونن من الذين قالوا «سمعنا وهم لا يسمعون».
يا عبد الله.. إن كنت عملت خيرا، فاتبع خيرا خيرا، فإنه سيأتي عليك يوم تود لو ازددت. يا عبد الله.. ما علمك الله في كتابه من علم فاحمد الله عليه.. واعلم أن العبد إذا طالت غيبته حانت جيئته، فانتظره أهله كأن قد جاء.. فأكثروا ذكر الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله..». وكان «الربيع» طويل الصمت، كثير التأمل والتدبر، قليل الكلام.. وينصح الناس بذلك فيقول: «أقلوا الكلام إلا من تسع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتلاوة القرآن، وسؤال الله الخير، والتعوذ به من الشر».
وإلى جانب كل هذه الصفات العظيمة التي يتمتع بها «الربيع ابن خثيم» كان رجلا صواما، قواما، متهجدًا يتسابق الناس في التقرب إليه، والتزود من علمه وحكمته. وتمضي الأيام «بالربيع بن خثيم».. وهو ينصح الناس بالخير، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن فعل السوء.. حتى اشتد به المرض.. فاشتاقت روحه الطاهرة إلى لقاء خالقها.. فمات «بالكوفة» في ولاية «عبيد الله بن زياد» عليها.
هذا هو «الربيع بن خثيم».. الرجل الذي قضى عمره مجاهدا لنشر دعوة الإسلام، وناصحًا لعامة المسلمين. رحم الله «الربيع».. الذي أوصى عند موته فقال: «هذا ما أقر به الربيع بن خثيم على نفسه وأشهد الله عليه، وكفى بالله شهيدا وجازيا لعباده الصالحين.. بأني رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وبالقرآن إماما، ورضيت لنفسى ومن أطاعني أن نعبد الله في العابدين، ونحمده في الحامدين، وأن ننصح لجماعة المسلمين».

» التنبيهات الجلية على كثير من المنهيات الشرعية
» و مضى الثلث و الثلث كثير