... وأما الشيعة الذين يزعمون أنهم أتباع أهل البيت والمحبون الموالون لهم،
فإنهم يرون رأيا... محترقين على جهادهم المستمر، ومنتقمين على فتوحاتهم
الجبارة الكثيرة التي أرغمت أنوف أسلافهم، وكسرت شوكة ماضيهم ومزقت جموع
أحزابهم، ودمرت ديارهم وأوكار كفرهم، الصحابة الذين أذلوا الشرك والمشركين،
وهدموا الأوثان والأصنام التي كانوا يعبدونها ويعتكفون عليها، أزالوا
ملكهم وسلطانهم، وخربوا قصورهم وحصونهم ومنازلهم، وأنزلوا فيها الفناء،
وأعلوا عليها راية التوحيد وعلم الإسلام شامخاً مترفرفاً، فاجتمع أبناء
المجوس واليهود، وأبناء البائدين الهالكين الذين أرادوا سد هذا النور
النير، والوقوف في سبيل وطريق هذا السيل العرم، اجتمعوا ناقمين، حاقدين،
حاسدين، محترقين، واقتنعوا بقناع الحب لآل البيت - وآل البيت منهم براء -
وسلّوا سيوف أقلامهم وألسنتهم ضد أولئك المجاهدين المحسنين، رفاق رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه المشغوفين بحبه، والمفعمين بولائه، والمميتين
في إطاعته واتباعه، والراهنين كل ثمين ونفيس في سبيله، والمضحين بأدنى
إشاراته الآباء والأولاد والمهج، المقتفين آثاره، المتتبعين خطواته،
السالكين منهجه، الغر الميامين رضوان الله عليهم أجمعين.
فقال قائلهم:
إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أربعة".كتاب
(سليم بن قيس العامرى) (ص 92) ط دار الفنون بيروت).(والغريب أن أبناء
اليهودية الأثيمة يطيعون مثل هذه الكتب الخبيثة المليئة من العيب والشتم
لأهل خير القرون وخير الأمة، ثم يتضوغون عن الكتب التي كتبت رداً عليهم مثل
كتاب (الشيعة والسنة) للمؤلف لتبيين مذهبهم، وإظهار ما يكنونه في صدورهم
تجاه الأمة المرحومة ومحسنيها، ويقولون: إنه لا ينبغي كتابة مثل هذه الكتب
وطبعها ونشرها في زمان، المسلمون أحوج ما يكون إلى الاتحاد والاتفاق، ونحن
لا ندري أي اتحاد ووفاق يريدون؟
نحن لا نسب القوم ولا نشتم قادتهم، بل كل ما نعمل نبدي للرأي العام ما عمله القوم الأمس وما يعملونه اليوم. فمن أي شيء يخافون؟
ثم
ولم نفهم من بعض من يسمي نفسه متنوراً، واسع الأفق، فسيح القلب، وسيع
الظرف، محباً للتقريب والوفاق من أهل السنة، البلهاء أو المغترين، لا نفهم
منهم حينما يعترضون علينا بأننا لم نقم بإحقاق الحق وإبطال الباطل؟ ولم
ندافع عن أولئك القوم الذين لو ما كانوا كنا عباد البقر أو النجوم أو اللات
والمناة والعزى والثالث، أو الحجر والشجر، ولو ما رفعوا راية الإسلام،
وحملوا لواء التوحيد ما عرفنا ربنا عز وجل ونبينا وقائدنا محمداً صلوات
الله وسلامه عليه، وما علمنا ماذا أنزله الرحمن على عبده وحبيبه، وما تركه
المصطفى من سنته وحكمته، وما عرفنا القرآن الذي أنزله نوراً وهدى ورحمة
للعالمين.
نعم: يقلق مضاجع هؤلاء المتنورين هذا، ولا يفجعون عن كتاب
(سليم بن قيس العامري) الذي قال فيه جعفرهم – نعم جعفرهم، لا الجعفر الصادق
الذي نعرفه ونعلمه – قال: من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب (سليم بن
قيس العامري) فليس عنده من أمرنا شيء, وهو سر من أسرار محمد صلى الله
عليه وسلم،- الكتاب الذي لم نجد صفحة من صفحاته، ولا ورقة من أوراقه إلا
وهي مليئة بأقذر الشتائم وأخبث السباب، وكتاب سليم ومثله كتب للقوم لا تعد
ولا تحصى، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فنقول لهؤلاء القوم عديمي الغيرة،
وفاقدي الحمية: فليهنأ لكم التنور، وليهنأ لكم التوسع، فأما نحن فلن ولن
نتحمل هذا، ولن ولن نسكت عن ذلك إن شاء الله ما دامت العروق يجري فيها
الدم، وما دام الروح في الجسد واللسان يتكلم). هذا ومثل هذا كثير.
ولقد
تقدم بخاري القوم محمد بن يعقوب الكليني إلى أبعد من ذلك فقال: كان الناس
أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان
الفارسي كتاب (الروضة من الكافي) (8 /245).
ومثل هذا ذكر المجلسي "هلك الناس كلهم بعد وفاة الرسول إلا ثلاثة أبو ذر والمقداد وسلمان" (حيات القلوب) للمجلسي فارسي (2 /640).
ولسائل
أن يسأل هؤلاء الأشقياء وأين ذهب أهل بيت النبي بما فيهم عباس عم النبي،
وابن عباس ابن عمه، وعقيل أخ لعلي، وحتى علي نفسه، والحسنان سبطا رسول الله
؟
ألا تستحيون من الله ؟
ثم وأكثر من ذلك قال الكليني في موضع آخر
من كتابه: إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا، فقال:… إن الناس
عادوا بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل جاهلية، إن الأنصار
اعتزلت (يعني عن أبي بكر) فلم تعتزل بخير (أي لم يكن اختيارهم لاختيار
الحق أو ترك الباطل، بل اختاروا باطلاً مكان باطل آخر للحمية والعصبية –
كما ذكر المحشي الملعون على هذه الرواية -) جعلوا يبايعون سعداً وهم
يرتجزون ارتجاز الجاهلية (كذب وزور – يا كذاب!) يا سعد! أنت المرجأ، وشعرك
المرجل، وفحلك المرجم" كتاب (الروضة من الكافي) (2 /296).
ومعناه أنه لم يبق ولا واحد، لا أبو ذر ولا سلمان ولا المقداد ؟
هذا
ويذكر شيعي معاصر عكس ذلك تماماً حيث أن القوم يدعون بأن الصحابة ارتدوا –
عياذاً بالله – بعد أن أسلموا، ولكن أحداً من بقايا القوم الناقمين ينكر
حتى دخولهم في الإسلام كما يقول وهو يرد علينا بأننا لم ننصف في اتهامنا
الشيعة – حسب زعمه – بأنهم يكفرون أصحاب الرسول العظيم عليه السلام، و في
أثناء الرد يقر ويثبت ما ذكرناه، فانظر إليه كيف يستأسر في حبله نفسه بنفسه
"ومع ذلك فإني أقول: إن العرب لم يؤمنوا بمحمد إلا بعد أن قرعت الدعوة
الإسلامية أسماعهم (انظر إلى
الحقد كيف يتدفق، والبغض كيف يظهر للأمة العربية التي لبّت رسالة الإسلام في
باكورة عهدها، وحملتها وأدتها إلى العالم أجمع) أي أن محمد صلى الله عليه
وسلم دعاهم أولاً للإسلام فآمن من آمن ….. ومنهم من تأخر عن ذلك، ومنهم من
ماطل كثيراً، ومنهم من دخل في الإسلام نفاقاً، ومنهم من دخل خوفاً ورهباً
بعد أن ضاقت عليه الأرض، ولم يدخل في الإسلام أحد بدلالة عقله إلا شخصية
واحدة (وحتى خرّجوا علياً وأهل بيت النبي حيث لم يذكروا فيمن ذكر إلا
سلمان) خرجت من بلادها طلباً للحقيقة، ولاقت صعوبات وأخطاراً حتى ظفرت
بالحقيقة عند محمد (يعني سلمان) فآمنت به" كتاب (الشيعة والسنة في
الميزان) (ص20، 21) لمؤلف مجهول المقنع بقناع س – خ ط بيروت – أي الكتاب
الذي حاول مجهوله عبثاً الرد على كتابنا (الشيعة والسنة) حيث لم يستطع في
الكتاب كله تغليط عبارة واحدة أو مصدر واحد من العبارات أو المصادر التي
ذكرناها في الكتاب، ولا مسألة واحدة، أو نتيجة من النتائج التي استنتجناها
في كتابنا كله، ولله الحمد والمنة على ذلك التوفيق الصائب والشرف الذي
أولانا الله عز وجل للدفاع عن حرمات النبي، ومقدسات الإسلام، ومحبي الملة
الحنيفية البيضاء، اللهم ألهمنا الرشد والسداد، واجعلنا من الذين يعرفون
القول ويتبعون أحسنه، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي
قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10]).
ويكتب القمي تحت تفسير قوله تعالى: وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ [المائدة:71] نزل كتاب الله يخبر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: وحسبوا أن لا تكون فتنة أي لا يكون اختبار، ولا يمتحنهم الله بأمير المؤمنين عليه السلام فعموا وصموا قال حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ثم عموا وصموا حين
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أمير المؤمنين عليه السلام عليهم
فعموا وصموا فيه حتى الساعة" (تفسير القمي) لعلي بن إبراهيم (1 /175، 176)
ط مطبعة النجف 1386ه).
هذا ومثل هذا كثير (انظر لذلك كتابنا (الشيعة والسنة).
فهذا هو موقف الشيعة من الصحابة، وذلك هو موقف أهل البيت منهم.