بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله الأمين وبعد:
نداء إلى أحبتنا وفضلائنا الكرام خطباء المساجد من المشايخ وطلبة العلم وغيرهم. يا من بيدكم بإذن الله إمكانية إحداث تغييرات كبيرة في أمتنا في شتى الأمور عن طريق منبركم وموقعكم الهام؛ إن منكر الفضائيات والقنوات المخالفة للشرع وما يعرض فيها من تبرج وسفور واختلاط ومجون وإفساد قد زاد وعمَّ وطمَّ وانتشر انتشاراً رهيباً في أمة الإسلام. وخاصة مع وجود أيدٍ خفية تمكر، وإمكانيات جبارة، وأموال ضخمة تُسخَّر لهذه القنوات لكي تُميع دين الأمة وتُلهي المسلمين وتبعدهم عن التمسك الحق الكامل بالدين. والأمة بحاجة ماسة إلى تذكيرها بحرمة هذا المنكر الذي أُغرقت فيه.
ويا ليت أيضا أن يُذكَّر بهذا الأمر في مواسم الخير كأيام عشر ذي الحجة وشهر رمضان والحج وغيرها والتي من أهم وأكبر حكمها التوبة إلى الله والتقرب إليه بأحب ما يحبه سبحانه وهو الالتزام بما أمر به والبعد عما يغضبه؛ كما ورد في الحديث القدسي: (وما تقرب إلى عبدي بشيءٍ أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه) رواه البخاري.
لماذا هذا المنكر: 1- كثرة انتشاره وتساهل الكثيرين حتى من أفاضل الناس والعقلاء فيه, وأظنه تقريباً أكثر المنكرات انتشاراً, فتجد التساهل في النظر المحرم لمنكراته -بدءاً من رؤية المذيعات المتبرجات الكاسيات العاريات- منتشراً حتى من أناس أخيار تجد بعضهم في الصفوف الأولى في صلاة الجماعة في المساجد. وتجد التساهل في هذا المنكر في بيوت أغلب المسلمين ودورهم المختلفة واستراحاتهم, وفي أماكن عامة, وفي الشقق المفروشة وفي الفنادق وغيرها وغيرها, حتى أن الفنادق والدور الملاصقة لأعظم بقعتين في الأرض المسجد الحرام والمسجد النبوي لا تخلوا منها.
ولا شك أن حجم انتشار المنكر له وزن في قضية أثره وخطره. وتوجد منكرات أخطر في أساس حكمها ولكن قضية عدد من يقع في منكرٍ ما لها وزنها أيضا في تحديد خطورته وأثره, كما هو مشاهد بشكل جَلِيٍ في منكر النظر الحرام والفضائيات.
2- مما يزيد شر وخطر هذا المنكر أنه من أكثر المنكرات التي يحدث فيها إصرار وتكرار ومداومة عليها وتساهل بأمرها في واقعنا الحاضر. وقد يتحول منكر النظر المحرم من صغيرة إلى كبيرة لما يحدث من استمرار وإصرار عليه. فكما بين سلف الأمة أن الصغيرة تصبح كبيرةً بالإصرار عليها, قال ابن عباس رضي الله عنه
لا صغيرة مع الإصرار, ولا كبيرة مع الاستغفار). وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: ( هاهنا أمر ينبغي التفطن له, وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر, وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء, وعدم المبالاة, وترك الخوف ما يلحقها بالكبائر, بل يجعلها في أعلى رتبها ).
3- أنه من كثرة انتشار هذا المنكر أصبح وكأنه ليس بمنكر يُعرف حكمه ويُخجل من الله ومن الناس منه. ونعم توجد منكرات أخرى أكبر من هذا المنكر منتشرة ولكن على الأقل أن فاعلها يخجل منها ويخفيها ويدسها عن الناس, أما منكر الفضائيات والنظر الحرام فتجد الكثير من المسلمين لا يأبه به وكأنه أمر عادي مباح. وهذا يزيد خطر هذا المنكر وإثمه ويزيد أهمية التنبيه عليه.
4- أن المجاهرة لله العظيم ذي الجلال والإكرام الذي يغار أن يُستهان بحرماته وأن يجاهر بها سبحانه؛ جَليَّة أيما جلاء ومُتحققة أيما تَحقُّق للأسف في هذا المنكر الذي تعرض صور المحرمات فيه ويشاهدها جهارا نهار مئات الملايين من المسلمين, بل وبإصرار واستمرار.
5- مما يزيد خطر هذا المنكر أن حجم الإفساد فيه أصبح كبيراً جداً حتى إنه بلا مبالغة أصبح من الممكن أن يقال أنه دعوة للزنا بشكل غير مباشر -أخطر من المباشر- وبشكل قوي قد يفسد حتى الرجل الكبير فضلاً عن الشاب الصغير. وقد سمعت هذه المعنى بأذني من أحد الشباب المتساهلين إلى حد ما في جانب القنوات عندما تكلم بنفسه عن أثر ما يعرض في القنوات حيث قال بنص الكلمة أن ما يحدث في القنوات هو"دعوة للزنا".
وحجم الإفساد والإثارة الجنسية للشباب تخطى سوؤه ما يعرض حتى في بلاد الكفر. ففي تلك البلاد عادة تعرض المناظر المثيرة في أوقات متأخره لتناسب فئات معينة فقط, بعكس التفلت الخطير والإفساد الكبير الحادث في الكثير من القنوات العربية حيث تعرض الكثير من المسلسلات والأفلام المحرمة من أساسها والتي بها مناظر مخلة جداً في أوقات الذروة مثل الساعة الثامنة أو التاسعة, "ممن أشار لهذه الملاحظة د مالك الأحمد وهو من الناشطين والخبراء في المجال الإعلامي".
6- ومما يزيد خطره أن التساهل فيه والتعود عليه يؤدي إلى التساهل والتمادي في منكر النظر الحرام بشكل أكبر, حتى يصل الأمر بالفرد المسلم خطوة خطوة إلى حد رؤية الأفلام الفاضحة جداً والجنسية,...فبعد أن يُكْسَر حاجز حُرْمَة النظر إلى المرأة المتبرجة ولو كانت مذيعة أخبار تجد أن البعض وخاصة الشباب يتساهل في رؤية ما هو أشد تبرجاً في برامج أخرى أو مسلسلات أو أفلام, وهكذا حتى يصل الأمر إلى رؤية أعظم المناظر فساداً. وإنني لا أشك في أن ما جَرَّأَ الشباب والناس عموما إلى نشر ورؤية مقاطع فاضحة في الجوالات والنت وما شابهها هو التهيئة التي حدثت في القنوات ووسائل الإعلام من صحف وغيرها, والتي ميعت على الناس أحكام الدين وسهلت لهم بل شجعتهم على رؤية أفلام الحب والمجون , لينتقلوا بعد هذه التربية المفسدة إلى الجوالات والنت ليكلموا وينشروا ما هو أسوأ وأسوأ.
7- أمر آخر مهم وهو أن تربية الأمة على عصيان الله سبحانه والتَجَرُّؤ على التساهل في رؤية ما يحرمه هي أيضاً بحد ذاتها تربية للمسلمين على التساهل في أوامر الشرع الأخرى في جوانب مختلفة من حياتنا. فالقضية لها أثر تربوي ، فتسهيل المعاصي في جانب النظر الحرام يؤدي إلى إضعاف الخوف من الله في نفوس العديد من المسلمين, مما يهون عليهم الوقوع في منكرات أخرى. والران الذي يكسو القلب نتيجة الذنوب والذي يُقسِّيها حتى لا تحس ولا تخاف من منكرات أخرى ذُكِرَ في القرآن الكريم, قال تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) "المطففين, آية:14 ", و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب رفضها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصبح القلوب على قلبين: قلب أبيض خالصاً، وقلب أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً) صحيح مسلم.
8- أيضا شَغَل هذا المنكر الأمة عن إنكار منكرات أخرى كبيرة وهامة, وتُعرف غيرة الكثير من الأفاضل على المنكرات الأخرى في الأمة سواء في أمور عقدية أو في غير ذلك, ولكن لنتذكر أن من أهم ما شغل ملايين الأمة عن التصدي و التحرك للكثير من هذه المنكرات وعن كثير من أمور الدعوة والخير والإصلاح هو مثل هذه الوسائل التي ألهتهم وشغلتهم حتى بمحرمات, وجعلت منوال الكثيرين من أبناء أمتنا هو فقط أن يؤدي عمله الرسمي وأموره الضرورية في حياته الخاصة ثم يتفرغ ساعات طوال للانشغال باللهو والتفرج على هذه الوسائل وما بها.
9- هذا المنكر أيضاً من أهم أسباب حدوث التناقضات في أبناء أمتنا خاصة الشباب, فتجد أن الشاب المسلم والشابة المسلمة الذين عرفوا من مناهج تعليمهم أو بيوتهم وغيرها أن حجاب المرأة واجب وأن العلاقة بين رجل وامرأة أجنبية عنه لا تجوز ،يجدون في الإعلام صورة مغايرة تماماً بل إلى أبعد الحدود, وتأتي هذه الصور في الإعلام لا على أنها سيئة بل تأتي على أنها مظاهر بطولة ومجد, ومن يمثل ويظهر هذه الصور المحرمة الماجنة يسمون أبطال وبطلات هذه المسلسلات والأفلام !!. بل وببالغ الأسى يشجعون على هذه المظاهر ويُمجد من يسمون أبطالها وبطلاتها في الصحف والمجلات. وهذه التناقضات تؤدي إلى دَكِّ القيم في نفوس الناشئة بل ربما حتى الكبار, وتؤدي إلى شعور داخلي بالتناقض مع القيم في هذا الأمر مما يؤدي إلى إحداث تناقضات في أمور أخرى, ونفور عن الدين والقيم في جوانب مختلفة. ولعل هذا ما يُفَسِّر الكثير من الضعف في جوانب قِيميَّة وعدم الانضباط حتى في أمور دنيوية عند الكثير من الشباب وغيرهم الذين وقعوا فريسة لهذه الأمور وأثرت عليهم. وقد أشار بعض مفكري الأمة إلى أن الأمم التي تكون على عقيدة ثم تُرَبَّى وتتربى على انتهاك قيم وأوامر هذه العقيدة يصعب ضبطها وانضباطها في كثير من أمور حياتها بالضوابط الأخرى بعد أن رُبِّيتْ على التساهل في أوامر أعظم القوى التي تضبط البشر وتوجههم وهي قوة العقيدة والمنهج الذي يؤمنون به.
بل نَحَى بعض المفكرين إلى أن هذا التناقض قد يؤدي إلى انحرافات في جوانب أكبر وحتى في جانب العقيدة, فالتناقض يُفَتِّت ويَدُك القيم وكيانات الإنسان دكاً كبيراً عميقاً في بعض الأحيان.
ومن الطريف المحزن تأثر الكثير من صور حياتنا بهذا التناقض الذي من أهم أسسه التناقض في الإعلام المرئي, فتجد كمثال الكثير من المنتديات العربية خاصة الشبابية تأثرت بنهجه المتناقض فتجد فيها منتديات إسلامية دينية وفي نفس الوقت منتديات لمتابعة الأفلام والأغاني وصور الفنانين والفنانات!. وهكذا في العديد من صور حياة العديد من المسلمين.
10- من الجوانب المهمة التي من شأنها أن تزيد اهتمامنا بمنكرات الفضائيات والقنوات وغيرها ما حذرنا منه رسولنا صلى الله عليه وسلم من اتقاء فتنة النساء وما يتعلق بها من وسائل إثارة الفتنة منهن ولهن, قال صلى الله عليه وسلم: ( اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم, وقال أيضاً عليه أفضل الصلاة والتسليم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء), والإعلام المرئي والذي تمثله أكبر التمثيل القنوات ،من أقوى الوسائل في إثارة فتنة النساء وما يتعلق بها من أمور المجون والعلاقات المحرمة.
11- أنه أصبح من المعروف عالمياً في عصرنا الحديث أن أكثر الوسائل تأثيراً في فكر وسلوك بل وحتى عقيدة الناس هو التلفزيون والقنوات(الإعلام المرئي), وأثره أصبح يفوق مناهج ووسائل التعليم, فأصبح هو الموجه الأول لقيم الناس وحياتهم, فمتى ما مُلِئَ بما يفسد كما هو حال أكثر القنوات العربية أصبح من أقوى وسائل الهدم ودك القيم والتدمير.
12- أن ما يحدث في هذه القنوات والوسائل الإعلامية الأخرى من عرض هذه المحرمات يعتبر ما يسميه بعض المتخصصين في الإعلام "الغزو السلوكي" والذي هو أخطر ويعتبر خطوة متقدمة عن الغزو الفكري ولكنه قد لا ينتبه له. ولتوضيح الفرق بينهما ففي قضية الحجاب الغزو الفكري المباشر هو أن تأتي إمرأة أو رجل في هذه الوسائل ويقول للمرأة المسلمة:"ارم الحجاب,.. الحجاب تخلف,..ارمه أرضاً وتبرجي", فمثل هذه الكلمات الخطيرة لو حدث أن قِيلت في هذه الوسائل لرفضها المسلمون ولغضبوا ولغاروا أن يُتَكَلَّم على أوامر وقيم الدين بمثل هذا حتى لو كانوا من المقصرين في جانب الحجاب. ولكن الغزو السلوكي الذي هو أخطر لا يُنتبه له لأنه يأتي بمكر؛ فمجرد ظهور وإظهار إمرأة متبرجة في هذه الوسائل بشكل مُقدَّر ومُمجَّد لا بشكل منتقد هو الغزو السلوكي الذي لم يكتفي بالأمر بترك الحجاب بل أظهره كسلوك مقبول مرضي عنه بل ممجد ومقدر, فمن يقوم به من المذيعات المتبرجات والممثلات الماجنات يُظْهَرْنَ كقدوة ونموذج وبطلات!! يُحتذى بهن لشاباتنا ومجتمعاتنا.
13- أن علاج الأمراض أهم من علاج الأعراض, فهذا المنكر هو مما أدى إلى منكرات كثيرة جداً تؤلم الدعاة والغيورين متعلقة بجانب الشهوات الجنسية والمجون والزنا وغير ذلك. فالشباب يُثَارُون ويشجعون على المجون بما يشاهدونه مما يجعلهم يتجهون للمعاكسات والانحرافات المختلفة والعلاقات المحرمة والزنا وغيره. وعلينا كما نعالج الأعراض أن نعالج الأمراض التي أنتجتها, وإلا فسيستمر علاجنا لأعراض الداء لأن الداء والمرض والجراثيم المسببة لم توقف وتعالج. ومما يزيد خطر الفساد الجنسي -الذي تؤججه وتُحفزه قنوات المجون- أنه معروف أن بيئاته ومجالسه هي إحدى البيئات الموصلة إلى تعاطي الخمر بل وحتى المخدرات, فأمور الشر تجتمع مع بعضها.
14- للجوانب الإفسادية الكبيرة لهذا المنكر تبعــــــات خطيرة على صحة مجتمعاتنا, فمجونه الشديد الذي يثير شهوات الشباب ويحفزهم للعلاقات المحرمة والزنا قد يصبح سببا لزيـادة تســــــارع نسبـة الأمراض الجنسية ومنها الإيدز بشكل ربما أكبــــــر مما هو حادث في بعض دول الكفر, لأن دول الكفر بنظامها الفاسد تسمح بالزنا وتقننه بشكل يجعله أكثر أمنا وسلامة من طرق الزنا في النواحي والزوايا المظلمة "كما يقال" التي يلجأ لها عادة الشباب في مجتمعاتنا التي بفضل الله لا تبيح هذا المحرم.
وبالطبع نحن لا ننادي بفتح أبواب الزنا والعياذ بالله, ولكن القصد التنبيه على الإشكالات التي تحدث عندما لا تُطبِّق مجتمعاتنا أوامر الدين بالشمولية الكاملة وبالتطبيق الصحيح فتحدث مثل هذه الظواهر والتناقضات التي تجعل الوضع يزداد سوءاً من نواحٍ معينة.
15- أن القنوات بمنكراتها عامل هدم كبير وقوي للكثير من قيم الخير التي يسعى المصلحون والأخيار إلى إحيائها في الأمة, وخاصة أن أثرها كبير, فكما قال د. سعيد حارب أستاذ الإعلام أن أثر لقطة فيلم واحدة ربما تهدم أثر ألف خطبة, ولنضرب مثالاً لذلك بعفة المرأة وحجابها الذي يحاول الدعاة والأخيار والمربُّون ليلاً ونهاراً الحفاظ عليه بالعديد من الكلمات والخطب والوسائل, فتأتي لقطة ماجنة تُصَوَّرُ بتصوير رائع وفاتن لممثل يحتضن ممثلة متبرجة كاسية عارية, فتدك هذه اللقطة أثر العشرات من المحاضرات وغيرها.
وكما قال الشاعر: متى يبلغ البنيان يوما تمامه---إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
16- أن هذا المنكر له أثر ضخم في شغل الأمة وإلهائها وتخديرها- خاصة شبابها- عن الاهتمام اللازم والتحرك الجاد لقضاياها وهمومها. وقد أدرك أعداء الدين هذا الجانب من قبل عصر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المرئية الحديثة القوية في تأثيرها, فهذا أحدهم قد قال قبل عقود عديدة: (كأس وغانية تفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع, فأغرقوها في حب المادة والشهوات). ومما قاله القس زويمر: (إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية, إنكم أعددتم نشأً لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة)"نقلا من كتاب: قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله".
وبواسطة القنوات والبث التلفزيوني تيسر لهم ما يحبوه ويفرحوا به جداً من إدخال مثل
هذه الأمور وما هو أشد إلى عقر بيوت المسلمين في شتى الأرجاء.
17- إن أمتنا لا تنصر النصر الكامل ولا تعود عزتها وقوتها ومجدها ولا يتحقق لها التمكين في الأرض وهي تجاهر الله بالمعاصي بإصرار واستمرار. ومنكرات القنوات والإعلام من أكثر المنكرات المنتشرة, وتتحقق فيها المجاهرة والإصرار بشكل كبير ومخيف. وفي عصرنا هذا الذي نرى فيه ضعف وعجز الأمة عن إنقاذ أبنائها المذبحين في شتى بقاع الأرض تزداد عظمة وخطر أي منكر يؤخر النصر والتمكين.
تعصون ربي جهاراً--- فكيف ترجون نصراً.
ومعروف من النواحي المادية بغض النظر عن الخلفيات الشرعية والدينية أن أي أمة تريد النصر والرفعة عليها أن تبتعد عن أمور اللهو وما يشغلها عن قضاياها, فكيف بأمة يكون تساهلها في هذه الأمور أساس شرعي ديني في ضعفها وذلها وبُعد العز والنصر عنها.
ووالله إن أساس ذلنا وعجزنا عن إنقاذ إخواننا المذبحين في شتى بقاع الأرض ليس بسبب قوة أعداء الدين بل بسبب تقصيرنا وذنوبنا التي نعاقب عليها بتأخير النصر وبالذل والهوان والعجز الذي نعيشه. فهذه الأمور لو تأملنا لعرفنا أنها الأخطر علينا من الأعداء فلولاها لما تمكنوا واستأسدوا وأبادوا ونحن ننظر متفرجين. ولو أدركت الأمة حقاً شرها وأدركت خطرها لنظرت إليها بكُرهٍ وحنق أكثر من نظرها إلى الأعداء المستبدين. ولذا كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ينبه قادة جيوشه عندما يرسلهم للفتوحات بأن الذنوب هي الأخطر من الأعداء , فمما قاله لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما أرسله لفتح فارس: ( وآمرك ومن معك بأن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم, فإن ذنوب الجيش أخطر عليهم من عدوهم).
ولنوجهها رسالة لكل المسلمين المتألمين على واقعنا المؤلم ودمائنا المراقة في كل مكان؛ اعلم وذَكِّر وَتَذَكَّر أخي أن مثل هذا المنكر وغيره بلا شكٍ من أسباب ذلنا وضعفنا وعجزنا ومن ثم استمرار دمنا المراق في شتى أرجاء الأرض.
18- أيضا هذا المنكر خاصة مع انتشاره الرهيب وعموميته والإصرار الحادث فيه, هو وغيره من الذنوب بلا شك من أسباب الكثير من الضيق وقلة الرزق أو البركة فيه والإشكالات والنكبات والتخبطات التي تعيشها أمتنا في عصرنا الحاضر. وكما قال الشيخ العلامة محمد زكريا الكاندهلوي في كتابه القيم " أسباب سعادة المسلمين وشقائهم": ( فالعلاج الوحيد لتوقي الأمة المحمدية من المصائب والحوادث ومواجهة النكبات والخسائر إنما هو تركيز عنايتها بالاحتراس من المعاصي, فإذا ما صدر منها شيء من الذنوب تندم عليه وتستغفر الله منه وتتوب إليه ).
19- ومن الشواهد التاريخية على خطورة مظاهر الغناء والمجون, أن أمتنا الإسلامية أتتها الكثير من الهزائم والنكبات عندما حدث منها تقصير في أمور الدين والشرع عموماً ومنها ظواهر الغناء والشهوات. ومن أبرز الشواهد على ذلك سقوط بغداد على يد المغول والذي سبقه كما تذكر كتب التاريخ انتشار الغناء وما شابهه من صور الباطل ومظاهر التميع. وانتشار الغناء في تلك الأيام يعتبر قليلاً إذا قارناه بالمدى الرهيب الذي أدخلت به وسائل الإعلام الحديثة هذه المنكرات في المجتمعات حتى أوصلتها إلى بيوت ودور وشتى أماكن عشرات الملايين من المسلمين وحتى أثناء تنقلاتهم.
لماذا بوضوح: ما قصد عن إنكاره بوضوح هو تبيين أصول معينة في هذا المنكر حتى ينتبه أفراد أمتنا لحرمته من الأساس فيقل التعرض له ويقل شره ولا يتمادى فيه. فمن أصول هذا المنكر التي نحتاج إلى أن نوضحها للناس قضية أن أساس النظر للمرأة المتبرجة ولو كانت مذيعة أخبار مثلاً لا يجوز. لأن هذا المنكر بالذات رؤية المذيعات قد ذاب جداً حكمه عند كثير من المسلمين. ثم إن تنبيهنا لهم عنه بهذا الوضوح يجعلهم بإذن الله يدركون عظمة وإثم ما هو أشد من ذلك مثل المسلسلات والأفلام. بل إنه بلا شك أن ما جعل الكثير من أفراد مجتمعنا سواء الشخص نفسه أو أسرته يتساهلون في موضوع فتن ومحرمات الفضائيات هو بدايةً تساهلهم بالنظر إلى المذيعات وغيرها من البرامج التي يظهر فيها التبرج والسفور.
أيضا نحتاج إلى أن نبين للمسلمين أن مصطلح النظر الحرام يشمل ذلك. فقد لوحظ عندما نُذَكِّر الناس فقط بكلمة ترك النظر الحرام أنهم يفسرونها بطرق مختلفة, حتى وصل الأمر لدى بعض الناس -مع التمييع الإعلامي الذي نعيشه- أنه يظن أن رؤية أفلام ومسلسلات بها تبرج كبير ولقطات مجون أمر غير محرم, وأن المحرم فقط هو أفلام الجنس أو اللقطات الشديدة في الإغراء والتعرى.
ولماذا باستمرار: والمقصود ما بين آونة وأخرى, وذلك لما لا يخفى عليكم كما ذُكِرَ سابقاً من أن الملايين من المسلمين خُدِّروا على هذا المنكر منذ سنين طويلة, ولا زالوا تُميَّع عليهم بقوةٍ أحكامُ الدين فيما يتعلق بما يعرض فيه مما لا يجوز, ولا زالوا يدعون بإعلانات عديدة مستمرة في وسائل مختلفة وبشكل مباشر وغير مباشرة إلى رؤية المحرمات والطامات مما لا يجوز في هذه القنوات. مما يتطلب جهداً دؤوباً وتذكيراً متكرراً من الدعاة والغيورين.
وأمتنا أقرب للخير وتَقَبُلهُ بإذن الله, فتذكيرنا المتواصل سيجعلها بإذن الله تُبعد عن هذه المميعات الملهيات المفسدات المضيعات, وتُقبِل بشكل أكبر على دروب الخير والدعوة والصلاح والإصلاح وكل ما ينفع الأمة ويُعلي شأنها.
وبتجارب شخصية لوحظ أن العديد من أفراد الأمة استجابوا ويستجيبون ولو جزئياً عند التذكير بهذا الموضوع حتى وإن كانوا غارقين فيه ونسوا أنه منكر من المنكرات.
* وختاما نسال الله الكريم أن يوفقنا جميعا لبذل واجب النصح بقدر ما نستطيع لإخواننا وأمتنا سواء كنا من خطباء المساجد أو غيرهـــــــم, فلا شك أن مثل هذا المنكر الكبير الانتشار يحتاج ويتطلب منا جميعـــــا أن نبذل جهودا كبيرة في التبليغ وتبصير مجتمعاتنا, في كــــل مكان يمكننا فيه أن نلقي كلمة الخير ونبلغها, وبكـــل وسيلة ممكنة.