بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ..
فهذا تلخيص لـ [ كتاب الصيام ] .. من الشرح الممتع على زاد المستقنع ، لشيخنا العلّامة : محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، وقد اقتصرتُ فيه على ترجيحات الشيخ ، وعملتُ على ترقيم مسائله ؛ ليسهل للقارئ الرجوع إليها ، وقد اشتمل على [ مائة وإحدى عشرة ] مسألة ، وأتبعتُ كل مسألة بدليلها مع ذكر تخريجه .
[ كتاب الصيام ] .. [ ١ ] الصيام في الشرع : هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن الأكل والشرب ، وسائر المفطرات ، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
[ ٢ ] وحكمه : الوجوب بالنص والإجماع .
[ ٣ ] ويجب الصوم بأحد أمرين : الأول : رؤية هلال رمضان ، ولا يجب الصوم بمقتضى الحساب ، فلو قرر علماء الحساب المتابعون لمنازل القمر أن الليلة من رمضان ، ولكن لم يُرَ الهلال ، فإنه لا يصام ؛ لأن الشرع علق هذا الحكم بأمر محسوس وهو الرؤية . والرؤية تعم ما إذا رأيناه بالعين المجردة أو بالوسائل المقربة ؛ لأن الكل رؤية . والثاني : إتمام شعبان ثلاثين يومًا ؛ لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن يزيد عن ثلاثين يومًا ، ولا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يومًا .
[ ٤ ] وإن حال دون رؤية الهلال غيم ( سحاب ) أو قتر ( تراب ) وغيرهما مما يمنع رؤيته ، حرم صومه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الشهر تسع وعشرون ليلة ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " . (١) ولكن إذا رأى الإمام وجوب صوم هذا اليومف ، وأمر الناس بصومه ، فإنه لا يُنابذ ، ويحصل عدم منابذته بألا يظهر الإنسان فطره ، وإنما يفطر سرًا ، وهذه المسألة لم يثبت فيها دخول الشهر ، أما لو حكم ولي الأمر بدخول الشهر فالصوم واجب .
[ ٥ ] وإذا رأى الهلال أهل بلد لزمهم صومه ، فلا يجب إلا على من رآه ، أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال ، فإن لم تتفق فلا يجب الصوم ؛ لقوله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } ، والذين لا يوافقون من شاهده في المطالع لا يقال أنهم شاهدوه لا حقيقة ولا حكمًا . وكما أنه يختلف المسلمون في الإفطار والإمساك اليومي ، فيجب أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري ، وهذا قياس جلي .
[ ٦ ] ويصام برؤية عدل ، فبذلك يثبت الشهر ؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما : " تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه " . (٢) والصيام بشهادة واحد مقتضى القياس ؛ لأن الناس يفطرون بأذان الواحد ويمسكون بأذان الواحد . والذي يُقبل من الشهادة ما يترجح أنه حق وصدق ، ويُشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه ، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته وإن كان عدلًا . وهلال شوال وغيره من الشهور لا يثبت إلا بشاهدين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا " . (٣)
[ ٧ ] وإن صام الناس بشهادة واحد ثلاثين يومًا لزمهم الفطر ؛ لأن الفطر تابع للصوم ومبني عليه ، والصوم ثبت بدليل شرعي وقد صاموا ثلاثين يومًا ، ولا يمكن أن يزيد الشهر على ثلاثين يومًا .
[ ٨ ] ومن صام برؤية بلد ، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم ، وأتم هو ثلاثين يومًا ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها ، يصوم معهم ولو صام واحدًا وثلاثين يومًا ، وربما يقاس ذلك على ما لو سافر إلى بلد يتأخر غروب الشمس فيه ، فإنه يفطر حسب غروب الشمس في تلك البلد التي سافر إليها .
[ ٩ ] وشروط من يلزمه الصوم خمسة :
الشرط الأول : الإسلام ، فالكافر لا يلزمه الصوم حال كفره ، ولا يُلزم بقضائه بعد إسلامه ، ويُعاقب على تركه في الآخرة ، وعلى ترك جميع واجبات الدين . والشرط الثاني : التكليف ، والمراد به : البلوغ والعقل . والشرط الثالث : القدرة على الصيام ، والعاجز ينقسم إلى قسمين : ١- عجز طارئ ، وهو الذي يُرجى زوال عجزه ، وهو المذكور في قوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ، فينتظر حتى يزول عجزه ثم يقضي . ٢- عجز دائم ، وهو الذي لا يُرجى زواله ، فيجب عليه الإطعام عن كل يوم مسكينًا سواء أطعمهم أو ملَّكلهم . ويُطعم كل ما يُسمى طعامًا من تمر أو بر أو رز أو غيره . وأما مقداره فيرجع فيه إلى العرف ، وما يحصل به الإطعام ، فإذا غدّى المساكين أو عشّاهم كفاه ذلك عن الفدية . وعدد المساكين على عدد الأيام ، فلا يجزئ أن يعطي المسكين الواحد من الطعام أكثر من فدية يوم واحد . أما عن وقت الإطعام فهو بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه ، وإن شاء أخّر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه . ولا يُجزئ تقديم الإطعام . وإن أعسر المريض الذي لا يُرجى برؤه أو الكبير ، فإنها تسقط عنهما الكفارة ؛ لأنه لا واجب مع العجز . والشرط الرابع : الإقامة ، فإن كان مسافرًا فلا يجب عليه الصوم ؛ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ، وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر . والأفضل للمسافر والمريض أن يفعلا الأيسر ، فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حرامًا لقوله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } ، وإن كان الفطر والصيام سواء فالصيام أولى ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ، وإذا كان يشق عليه الصيام فالفطر أولى ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن صام يوم شق على الناس الصيام في السفر : " أولئك العصاة أولئك العصاة " . (٤) والشرط الخامس : الخلو من الموانع ، وهذا خاص بالنساء ، فالحائض والنفساء لا يلزمهما الصوم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم مُقررًا لذلك : " أليس إذا حاضت لم تُصل ولم تصم " . (٥) فلا يلزمهما الصوم إجماعًا ولا يصح منهما إجماعًا ، ويلزمهما قضاؤه إجماعًا .
[ ١٠ ] ومن قام به سبب الوجوب أثناء نهار رمضان كأن يسلم الكافر أو يبلغ الصغير أو يفيق المجنون ، فإنه يلزمهم الإمساك دون القضاء ؛ لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أُمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف ، ومن أتى بما أُمر به لم يُكلف بالإعادة . أما إذا زال مانع الوجوب في أثناء النهار ، كالحائض والنفساء إذا طهرتا ، والمسافر إذا قدم مفطرًا والمريض إذا برئ ، فلا شك في وجوب القضاء ؛ لأنهم أفطروا في رمضان فلزمهم قضاء ما أفطروا . ولا يلزمهم الإمساك ؛ لما روي عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " من أكل أول النهار فليأكل آخره " . (٦) والقاعدة : أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر ، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم .
[ ١١ ] والمريض له ثلاث حالات : الأولى : ألا يتأثر بالصوم ، مثل الزكام اليسير ، أو الصداع اليسير ، أو وجع الضرس ، وما أشبه ذلك ، فهذا لا يحل له أن يفطر ويجب عليه الصوم . الثانية : أن يشق عليه الصوم ولا يضره ، فهذا يكره له أن يصوم ، ويسن له أن يفطر . الثالثة : أن يشق عليه الصوم ويضره ، كالمصاب بمرض الكلى أو السكر ، وما أشبه ذلك ، فيحرم عليه الصوم ، ولا يُجزئه لو صام ويجب عليه القضاء .
[ ١٢ ] والمسافر له ثلاث حالات : الأولى : ألا يكون لصومه مزية على فطره ، ولا لفطره مزية على صومه ، ففهي هذه الحالة يكون الصوم أفضل له ؛ لفعله عليه الصلاة والسلام ، ولأنه أسرع في إبراء الذمة ، ولأنه أسهل على المكلف غالبًا لأن الصوم والفطر مع الناس أسهل من أن يستأنف الصوم بعدهم ، ولأنه يُدرك الزمان الفاضل وهو رمضان . الثانية : أن يكون الفطر أرفق به ، فالفطر أفضل ، وإذا شق عليه الصوم بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهًا ؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يُشعر بالعدول عن رخصة الله عز وجل . الثالثة : أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة ، فيكون الصوم في حقه حرامًا .
[ ١٣ ] وإن نوى حاضر صيام يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر ؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنه مسافر فيصدق عليه أنه ممن رُخِّص له بالفطر فيفطر . ولكن لا يفطر حتى يخرج من البلد .
[ ١٤ ] يجوز للحامل والمرضِع أن تفطرا ، سواء كان الفطر مراعاة لحالهما ، أو مراعاة لحال الولد ( الحمل أو الطفل ) ، أو مراعاة لحالهما مع الولد ، ويجب عليهما القضاء كالمريض والمسافر .
[ ١٥ ] الإفطار لمصلحة الغير له صور منها : الأولى : إنقاذ غريق ، مثل أن يسقط رجل معصوم في الماء ، ولا يستطيع أن يُخرجه إلا بعد أن يشرب ، فنقول : اشرب وأنقذه . الثانية : إطفاء الحريق ، كأن يقول : لا أستطيع أن أُطفئ الحريق حتى أشرب ، فنقول : اشرب وأطفئ الحريق . الثالثة : التبرع بالدم ، فلو أن شخصًا احتيج إلى دمه ، بحيث أصيب رجل آخر بحادث ونزف دمه ، وقالوا : إن دم هذا الصائم يصلح له ، وإن لم يتدارك هذا المريض فإنه يموت ، فله أن يأذن في استخراج دمه من أجل إنقاذ المريض . وللمُفطر في هذه الصور الثلاث أن يأكل ويشرب بقية اليوم ؛ لأنه أُذن له في فطر هذا اليوم ، فصار هذا اليوم في حقه من الأيام التي لا يجب إمساكها ، فيبقى مُفطرًا إلى آخر النهار ، ويجب القضاء .
[ ١٦ ] أحكام المجنون ، والمغمى عليه ، والنائم ، أولًا : المجنون : إذا جُنّ الإنسان جميع النهار في رمضان من قبل الفجر حتى غربت الشمس فلا يصح صومه ؛ لأنه ليس أهلًا للعبادة ، ومن شرط الوجوب والصحة العقل ، وعلى هذا فصومه غير صحيح ، ولا يلزمه القضاء ، لأنه ليس أهلًا للوجوب . ثانيًًا : المغمى عليه : إذا أُغمي عليه بحادث أو مرض - بعد أن تسحر - جميع النهار ، فلا يصح صومه ؛ لأنه ليس بعاقل ، ولا يلزمه القضاء ؛ لأنه مر عليه الوقت وهو ليس أهلًا للوجوب . ثالثًا : النائم : إذا تسحّر ونام من قبل أذان الفجر ، ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس ، فصومه صحيح ؛ لأنه من أهل التكليف ولم يوجد ما يُبطل صومه ، ولا قضاء عليه . والفرق بينه وبين المغمى عليه : أن النائم إذا أُوقظ يستيقظ بخلاف المغمى عليه .
[ ١٧ ] النية واجبة ، ويجب تعيينها أيضًا ، فينوي الصيام عن رمضان ، أو عن كفارة ، أو عن نذر ، أو ما أشبه ذلك .
[ ١٨ ] وينوي قبل طلوع الفجر لصيام الفرض ؛ لأن صوم اليوم كاملًا لا يتحقق إلا بهذا ، فمن نوى بعد طلوع الفجر لا يُقال إنه صام يومًا ، فلذلك يجب لصوم كل يوم واجب أن ينويه قبل طلوع الفجر . ولا يلزم أن تُبيِّت النية قبل أن تنام ، بل الواجب ألا يطلع الفجر إلا وقد نويت ؛ لحديث عائشة مرفوعًا : " من لم يُبيِّت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له " . (٧)
[ ١٩ ] ما يُشترط فيه التتابع ( كرمضان ) تكفي النية في أوله ، ما لم يقطعه لعذر فيستأنف النية ، فإذا نوى إنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله ، فإنه يُجزئه عن الشهر كله ، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع ، كما لو سافر في أثناء رمضان ، فإنه إذا عاد للصوم يجب عليه أن يُجدد النية .
[ ٢٠ ] إذا قال : أنا صائم غدًا إن شاء الله . فننظر إن كان مراده الإستعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده ، فصيامه صحيح لأن هذا ليس تعليقًا . وإن كان مُترددًا فلا يدري هل يصوم أو لا يصوم ، فإنه لا يصح ؛ لأن النية لابد فيها من الجزم ، فلا يصح صومه إن كان فرضًا ، إلا أن يستيقظ قبل الفجر وينوي .
[ ٢١ ] يصح صوم النفل بنية أثناء النهار ، ولكن بشرط أن لا يأتي مُفطِّرًا من بعد طلوع الفجر ، فإن أتى بمُفطر فإنه لا يصح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم على أهله فقال : " هل عندكم من شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فإني إذًا صائم " . (٨) ولكنه لا يُثاب إلا من وقت النية فقط ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " . (٩) وهذا الرجل لم ينوِ إلا أثناء النهار فيُحسب له الأجر من حين نيته . وبناءً على ذلك لو علق فضل الصوم باليوم مثل : صيام الأثنين ، وصيام الخميس ، وصيام البيض ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، ونوى من أثناء النهار فإنه لا يحصل له ثواب ذلك اليوم ؛ لأنه لا يصدق عليه أنه صام اليوم كاملًا .
[ ٢٢ ] وإن نوى إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم ، فصومه صحيح إذا تبيَّن أنه من رمضان ، ولعل هذا يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن لك على ربك ما استثنيت " . (١٠) فهذا الرجل علقه لأنه لا يعلم أن غدًا من رمضان ، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر ، لا على التردد في النية . وكذلك لو قال في ليلة الثلاثين من رمضان إن كان غدًا من رمضان فأنا صائم وإلا فأنا مُفطر .
[ ٢٣ ] ومن صام نفلًا ، ثم نوى الإفطار ، ثم نوى الصيام ، فيُكتب له أجر الصيام من النية الثانية ؛ لأنه قطع النية الأولى وصار مُفطرًا .
[ ٢٤ ] ومن صام وعزم على أنه إن وجد ماء شربه ، فلا يفسد صومه ؛ لأن المحظور في العبادة لا تفسد العبادة به إلا بفعله ، ولا تفسد بنية الفعل .
[ ٢٥ ] ومن نوى الإفطار فإنه يفطر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " ، فما دام ناويًا الصوم فهو صائم ، وإذا نوى الإفطار أفطر . وله أن يستمر في الفطر بالأكل والشرب وغيرهما من المُفطرات إن كان ممن يُباح له الفطر كالمريض والمسافر ، وإن كان لا يُباح له الفطر ، فيلزمه الإمساك والقضاء مع الإثم .
[ باب ما يُفسد الصَّوم ، ويُوجِب الكفَّارة ] ..
[ ٢٦ ] أجمع العلماء على أن الأكل والشرب والجماع ، تُفسد الصوم ، وقد ذكرها الله عز وجل في قوله : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } .
[ ٢٧ ] الأكل هو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم ، وهو عام ، فكل ما ابتلعه الإنسان من نافع أو ضار ، أو ما لا نفع فيه ولا ضرر فإنه مُفطر لإطلاق الآية : { كُلُوا وَاشْرَبُوا } . وكذلك الشرب ، فيشمل ما ينفع وما يضر ، وما لا نفع فيه ولا ضرر ، ويُلحق بالأكل والشرب ما كان في معناهما ، كالإبر المغذية التي تُغني عن الأكل والشرب .
[ ٢٨ ] ومن تناول السعوط ، وهو ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف ، فإنه مُفطر ؛ لأن الأنف منفذ يصل إلى المعدة ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا " . (١١) فالمبالغة في الاستنشاق تكون سببًا لوصول الماء إلى المعدة وهذا مُخل بالصوم .
[ ٢٩ ] الاحتقان هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر ، والحقنة لا تفطر مطلقًا ، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة ؛ لأنه لا يُطلق عليها اسم الأكل والشرب ، وليس هناك دليل في الكتاب والسنة أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف ، لكن الكتاب والسنة دلّّا على شيء معين وهو الأكل والشرب ، والأصل عدم الفطر إلا بدليل واضح .
[ ٣٠ ] الاكتحال لا يُفطر ولو وصل طعم الكحل إلى الحلق ؛ لأنه لا يسمى أكلًا وشربًا ، ولا بمعنى الأكل والشرب ، ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب ، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح يدل على أن الكحل مُفطر ، والأصل عدم التفطير . وبناءً على هذا لو أنه قطر في عينه وهو صائم فوجد الطعم في حلقه فإنه لا يفطر بذلك ، أما إذا وصل طعمها إلى الفم وابتلعها فقد صار أكلًا وشربًا .
[ ٣١ ] لو أن إنسانًا كان له فتحة في بطنه ، وأدخل إلى بطنه شيئًا عن طريق هذه الفتحة ، فإنه لا يفطر بذلك ، إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلًا عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المرئ أو تقرحه ونحو ذلك ، فيكون ما أدخل منها مُفطرًا كما لو أدخل من الفم .
[ ٣٢ ] ومن استقاء عمدًا فإنه يفطر ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " من استقاء عمدًا فليقض ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه " . (١٢) ذرعه : أي غلبه . أما ما خرج بالتعتعة من الحلق فإنه لا يفطر ، فلا يفطر إلا ما خرج من المعدة ، سواء كان قليلًا أو كثيرًا . والحكمة تقتضي أن يكون مفطرًا ؛ لأن الإنسان إذا استقاء ضعف واحتاج إلى أكل وشرب ، فلا يحل لك في الصوم الواجب أن تتقيء إلا للضرورة ، فإن اضطررت إلى القيء فتقيأ ثم أعد على بدنك ما يحصل به القوة من الأكل والشرب .
[ ٣٣ ] ومن استمنى بأي وسيلة ، فسد صومه ؛ لما في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال في الصائم : " يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " . (١٣) والاستمناء شهوة ، وخروج المني شهوة . ولو استمنى بدون إنزال فإنه لا يفطر .
[ ٣٤ ] ومن باشر زوجته فإنه يفطر إذا أنزل ، سواء باشرها باليد ، أو بالوجه بتقبيل ، وإذا لم ينزل فلا يفطر .
[ ٣٥ ] وخروج المذي لا يفسد الصوم ؛ لأن المذي دون المني لا بالنسبة للشهوة ولا بالنسبة لانحلال البدن ، ولا بالنسبة للأحكام الشرعية حيث يخالفه في كثير منها بل في أكثرها أو كلها ، فلا يمكن أن يُلحق به . ولا حُجة على إفساد الصوم به .
[ ٣٦ ] إن كرر الصائم النظر حتى أنزل فسد صومه ، وإن أنزل بنظرة واحدة لم يفسد ، إلا أن يستمر حتى ينزل فيفسد صومه ؛ لأن الاستمرار كالتكرار ، بل قد يكون أقوى منه في استجلاب الشهوة والإنزال . وأما التفكير بأن فكر حتى أنزل فلا يفسد صومه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " . (١٤)
[ ٣٧ ] ومن احتجم أو حجم غيره فإنه يفطر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفطر الحاجم والمحجوم " (١٥) والحكمة من إفطار المحجوم هو أنه إذا خرج منه هذا الدم أصاب بدنه الضعف ، الذي يحتاج معه إلى غذاء لترتد عليه قوته ، لأنه لو بقي إلى آخر النهار على هذا الضعف فربما يؤثر على صحته في المستقبل ، فكان من الحكمة أن يكون مفطرًا ، وعلى هذا فالحجامة للصائم لا تجوز في الصيام الواجب إلا عند الضرورة ، فإذا جازت للضرورة جاز له أن يفطر ، أما إذا كان الصوم نفلًا فلا بأس به ؛ لأن الصائم نفلًا له أن يخرج من صومه بدون عذر ، لكنه يكره لغير غرض صحيح . وأما الحكمة بالنسبة للحاجم فإن الحاجم عادة يمص قارورة الحجامة ، وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه ، وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر فيكون بذلك مفطرًا ، ولو أنه حجم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مص ، فإنه لا يفطر بذلك . ويُلحق بالحجامة الفصد : وهو قطع العرق عرضًا ، والشرط : وهو شق العرق طولًا، فيفسدان الصوم ، وكذلك لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه ، بأن تعمد ذلك ليخف رأسه ، فإنه يفطر بذلك .
[ ٣٨ ] يشترط لفساد الصوم ثلاثة شروط : الأول : أن يكون عامدًا ، وضده غير العامد ، وهو نوعان : ١/ أن يحصل المفطر بغير اختياره بلا إكراه ، مثل أن يطير إلى فمه غبار أو دخان أو حشرة أو يتمضمض فيدخل الماء بطنه بغير قصد فلا يفطر ؛ لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } ، وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد فيكون صومه صحيحًا . ٢/ أن يفعل ما يُفطر مُكرهًا عليه فلا يفسد صومه ؛ لقوله تعالى : { مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، فإذا كان حكم الكفر يُعفى عنه مع الإكراه ، فما دون الكفر من باب أولى ، وعلى هذا فلو أكره الرجل زوجته على الجماع وهي صائمة ، وعجزت عن مدافعته ، فصيامها صحيح . الشرط الثاني : أن يكون ذاكرًا ، وضده الناسي . فلو فعل شيئًا من المُفطرات ناسيًا ، فلا شيء عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من نسي وهو صائ فأكل أو شرب فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " . (١٦) وهذا يشمل الفريضة والنافلة . وإن ذكر أنه صائم واللقمة في فمه لزمه لفظها ؛ لأنه في الفم وهو في حكم الظاهر ، فلا يفسد صومه لو تعمد إخراجها ، أما لو ابتلعها حتى وصلت ما بين حنجرته ومعدته لم يلزمه إخراجها ، ولو حاول وأخرجها لفسد صومه لأنه تعمد القيء . الشرط الثالث : العلم ، وضد العلم الجهل ، والجهل ينقسم إلى قسمين : ١/ جهل بالحكم الشرعي ، أي : لا يدري أن هذا حرام . ٢/ جهل بالحال ، أي : لا يدري أنه في حال يحرم عليه الأكل والشرب ، وكلاهما عذر . ودليل ذلك قوله تعالى : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } .
[ ٣٩ ] من فكَّر في الجماع فأنزل ، فلا يفسد صومه ، سواء كان ذا زوجة ففكر في جماع زوجته ، أو لم يكن ذا زوجه ففكر في الجماع مطلقًا ؛ ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " ، وهذا لم يعمل ولم يتكلم وإنما حدّث نفسه وفكر فأنزل . أما لو حصل منه عمل حتى أنزل ، أو قبّل زوجته حتى أنزل ، أو ما أشبه ذلك فإنه يفطر .
[ ٤٠ ] ومن احتلم لا يفطر ، حتى لو نام على تفكير ، واحتلم في أثناء النوم ؛ لأن النائم غير قاصد ، وقد رُفع عنه القلم .
[ ٤١ ] ومن اغتسل أو تمضمض أو استنشق فوصل الماء إلى حلقه ، فإنه لا يفطر ؛ لعدم القصد . وكذا لو بالغ في المضمضة أو الاستنشاق ، ودخل الماء حلقه فإنه لا يفطر بذلك ؛ لعدم القصد . ويُكره للصائم أن يُبالغ فيهما .
[ ٤٢ ] يجوز للصائم أن يستعمل الفرشاة والمعجون ، لكن الأولى ألا يستعملهما ؛ لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق ، وبدل من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل .
[ ٤٣ ] من أتى مُفطرًا كالأكل والشرب قبل طلوع الفجر له خمس حالات : الأولى : أن يتيقن أن الفجر لم يطلع ، فصومه صحيح . الثانية : أن يتيقن أن الفجر طلع ، فهذا صومه فاسد . الثالثة : أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا ، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع ، فصومه صحيح . الرابعة : أن يأكل ويشرب ، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع ، فصومه صحيح أيضًا . الخامسة : أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان ، فصومه صحيح . وكل هذا يؤخذ من قوله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } ، وضد التبين الشك والظن ، فما دمنا لم يتبين الفجر لنا فلنا أن نأكل ونشرب . ولو تبين له بعد ذلك أنه أكل بعد طلوع الفجر ، فصومه صحيح ؛ لأنه معذور بالجهل في هذه الحال .
[ ٤٤ ] ومن أكل شاكًا في غروب الشمس ، فلا يصح صومه ؛ لأن الله تعالى يقول : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ، والفرق بين من أكل شاكًا في طلوع الفجر ، ومن أكل شاكًا في غروب الشمس ، أن الأول بانٍ على أصل وهو بقاء الليل ، والثاني أيضًا بانٍ على أصل وهو بقاء النهار ، فلا يجوز أن يأكل مع الشك في غروب الشمس ، وعليه القضاء . وإن علمنا أن أكله كان بعد الغروب ، فلا قضاء عليه . ويجوز أن يأكل إذا تيقن أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت ، فله أن يفطر ولا قضاء عليه . حتى لو تبين له بعد ذلك أنها لم تغرب . ودليل جواز الفطر بظن الغروب مع أن الأصل بقاء النهار حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : " أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم " . (١٧) وإفطارهم كان على ظن قطعًا ؛ لقولها في هذا الحديث : " ثم طلعت الشمس " .
[ ٤٥ ] من غابت عليه الشمس وهو في الأرض وأفطر وطارت به الطائرة ثم رأى الشمس ، فلا يلزمه الإمساك ؛ لأن النهار في حقه انتهى ، والشمس لم تطلع عليه بل هو طلع عليها ، لكن لو أنها لم تغب وبقي خمس دقائق ثم طارت الطائرة ولما ارتفعت إذ الشمس باقٍ عليها ربع ساعة أو ثلث ، فإن صيامه يبقى ؛ لأنه ما زال عليه صومه .
[ ٤٦ ] والجماع من مفطرات الصائم وأعظمها تحريمًا ، ودليله قوله تعالى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } ، والإجماع منعقد على أنه مُفطر .
[ ٤٧ ] ومن جامع في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة ، ويُشترط لذلك ثلاثة شروط : الأول : أن يكون ممن يلزمه الصوم ، فإن كان ممن لا يلزمه الصوم ، كالصغير ، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة . الثاني : ألا يكون هناك مُسقط للصوم ، كما لو كان في سفر وهو صائم فجامع زوجته ، فإنه لا إثم عليه ولا كفارة ، وعليه القضاء فقط ؛ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . الثالث : أن يكون في قُبل أو دُبر ، والقُبل يشمل الحلال والحرام ، فلو زنى فهو كما لو جامع في فرج حلال . والجماع في الدُبر غير جائز . فمن توفرت فيه الشروط السابقة وحصل منه الجماع ، فعليه القضاء ؛ لأنه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة ، وعليه الكفارة ؛ احترامًا للزمن ، ولحديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: " ما لك؟ " قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل تجد رقبة تعتقها؟ " قال: لا، قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين "، قال: لا، فقال: " فهل تجد إطعام ستين مسكينا ". قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق المكتل - قال: " أين السائل؟ " فقال: أنا، قال: " خذها، فتصدق به " فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: " أطعمه أهلك " . (١٨) وبناءً على هذا لو كان هذا في قضاء رمضان ، فعليه القضاء لهذا اليوم الذي جامع فيه وليس عليه كفارة ؛ لأنه خارج شهر رمضان . ولا فرق بين أن يُنزل أو لا يُنزل ، فإذا أولج الحشفة في القُبل أو الدُبر ، فإنه يلزمه القضاء والكفارة .
[ ٤٨ ] وإذا جامع دون الفرج فأنزل ، فعليه القضاء دون الكفارة ؛ لأنه أفسد صومه بغير الجماع ، ومثاله أن يُجامع بين فخذي امرأته ويُنزل .
[ ٤٩ ] المرأة كالرجل في الحكم ، فإن كانت مطاوعة فعليها القضاء والكفارة ؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل . وأما إذا كانت المرأة معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه ، فلا شيء عليها ، وكذلك الرجل إذا كان معذورًا بجهل أو نسيان أو إكراه .
[ ٥٠ ] ومن كان صائمًا في سفره ، فجامع زوجته في نهار رمضان ، فهذا يفطر لأنه جامع ، والجماع من المفطرات ، وليس عليه كفارة ؛ لأنه لم ينتهك حرمة الصوم حيث إن الصوم لا يجب عليه في السفر ، ويلزمه القضاء .
[ ٥١ ] وإن جامع في يومين من رمضان ، بأن جامع في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني ، فإنه يلزمه كفارتان ، وإن جامع في ثلاثة أيام فثلاث كفارات ، وإن جامع في كل يوم من الشهر فثلاثون كفارة أو تسع وعشرون حسب أيام الشهر ؛ وذلك لأن كل يوم عبادة مستقلة .
[ ٥٢ ] وإن جامع في يوم واحد مرتين ، فتلزمه كفارة واحدة عن الجماع الأول ، ولا تلزمه كفارة عن الجماع الثاني ؛ لأن الجماع الثاني لم يرد على صوم صحيح ، ولأنه ليس صائمًا الآن ، ويلزمه الإمساك ؛ لأن كل من أفطر لغير عذر حرم عليه أن يستمر في فطره . ولا فرق بين أن يكون الجماع واقعًا على امرأة واحدة أو اثنتين ، فلو جامع الأولى في أول النهار والثانية في آخره ، ولم يكفر عن الأول ، فعليه كفارة واحدة .
[ ٥٣ ] وكفارة الوطء في نهار رمضان عتق رقبة ، فإن لم يجد رقبة أو لم يجد ثمنها فصيام شهرين متتابعين ، فلا يفطر بينهما يومًا واحدًا إلا لعذر شرعي كالحيض والنفاس بالنسبة للمرأة ، وكالعيدين وأيام التشريق ، أو لعذر حسّي كالمرض والسفر للرجل والمرأة ، بشرط ألا يُسافر لأجل أن يُفطر ، فإن سافر لأجل أن يُفطر انقطع التتابع . فإن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينًا ، وقد سبق دليل ذلك . والطعام في هذه المسألة لا يتقدر ، بل يُطعم بما يُعد إطعامًا ، فلو أنه جمعهم وغداهم أو عشاهم أجزأ ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان : هل تستطيع أن تُطعم ستين مسكينًا ؟ . فإن لم يجد سقطت الكفارة ، لقوله تعالى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا } ، ولا واجب مع العجز ، فتبرأ ذمته ولا شيء عليه حتى لو أغناه الله في المستقبل ؛ لأن الكفارة سقطت عنه .