إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
إن الصيام عبادة من العبادات العظيمة التى يتقرب بها الإنسان المسلم لخالقه ومولاه جل وعلا ولهذه العبادة فضائل كثيرة يحصلها المسلم إذا أدى هذه العبادة كما أمره الله عز وجل وكما علمه النبى محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن هذه الفضائل ما يلى:
1-الصيام جنة ووقاية : عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
" قَالَ الله عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، ولا يجهل،فإن شاتمه أحد أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ .مرتين. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّه ِيوم القيامة مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بفطره، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " ([1]).
قال الإمام الخطابي رحمه الله :
وقوله : ( الصيام لى وأنا أجزى به ) : فالصيام وجميع الأعمال لله ، لكن لما كانت الأعمال الظاهرة يشرك فيها الشطان بالرياء وغيره ، وكان الصيام لا يطلع عليه أحد إلا الله ، فيثيبه عليه على قدر خلوصه لوجهه ، جاز أن يضيفه تعالى إلى نفسه
وقال الإمام الطبري رحمه الله : ألا ترى قوله فى الحديث : (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى)0
وكان ابن عيينة يقول فى قوله : (إلا الصوم فإنه لى) ، قال : لأن الصوم هو الصبر ، يصبر الإنسان نفسه عن المطعم والمشرب والمنكح ، ثم قرأ : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[ الزمر : 10 ] 0
وهذا كله إنما يكون فيما خلص لله من الرياء قال عبد الواحد أيضًا قوله عليه السلام عن الله تعالى أنه قال : ( من عمل عملا أشرك فيه غيرى فهو له ، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك ) فجعل عمل الرياء لغيره ، وجعل ما خلص من الرياء له تعالى
وقال آخرون : إنما خص الصوم بأن يكون هو الذى يتولى جزاءه ، لأن الصوم لا يظهر من ابن آدم بلسان ، ولا فعل فتكتبه الحفظة ، إنما هو نية فى القلب ، وإمساك عن المطعم والمشرب ، فيقول : أنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف ، وليس على كتاب كتب ، وهذا القول ذكره أبو عبيد
قال الطبري : والصواب عندى القول الأول0
وأما معنى قوله : ( وأنا أجزى به ) :
فأنا المنفرد بجزائه على عمله ذلك لى بما لا يعلم كنه مبلغه غيرى ، إذ كان غير الصيام من أعمال الطاعة قد علم غيرى بإعلامى إياه أن الحسنة فيها بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ([2])0
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
وقوله صلى الله عليه وسلم : (وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه):
أما فرحة الصائم عند فطره، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر، فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعا.
فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا، والصائم عند فطره كذلك فكما أن الله تعالى حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره، فأحب عباده إليه أعجلهم فطرا، والله وملائكته يصلون على المتسحرين، فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إلى الله وطاعة له، وبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له، فما تركها إلا بأمر ربه، ولا عاد إليها إلا بأمر ربه، فهو مطيع له في الحالين([3]).
ثم قال رحمه الله:
وأما فرحه عند لقاء ربه: فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا، فيجده أحوج ما كان إليه كما قال تعالى: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا)([4]) وقال تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا)([5]) وقال: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره)([6])0
وقد تقدم قول ابن عيينة: أن ثواب الصيام لا يأخذه الغرماء في المظالم، بل يدخره الله عنده للصائم حتى يدخله به الجنة. وفي المسند عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من عمل يوم إلا يختم عليه)([7])([8]).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
وفي طيب ريح خلوف الصائم عند الله عز وجل معنيان:
أحدهما: أن الصيام لما كان سرا بين العبد وبين ربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة علانية للخلق، ليشتهر بذلك أهل الصيام، ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا.
قال مكحول: يروح أهل الجنة برائحة فيقولون: ربنا ما وجدنا ريحا منذ دخلنا الجنة أطيب من هذه الريح. فيقال: هذه رائحة أفواه الصوام، وقد تفوح رائحة الصيام في الدنيا وتستنشق قبل الآخرة.
وهو نوعان:
أحدهما: ما يدرك بالحواس الظاهرة، كان عبد الله بن غالب من العبّاد المجتهدين في الصلاة والصيام، فلما دفن كان يفوح من تراب قبره رائحة المسك، فرؤي في المنام فسئل عن تلك الرائحة التي توجد من قبره؟ فقال: تلك رائحة التلاوة والظمأ.
والنوع الثاني: ما تستنشقه الأرواح والقلوب، فيوجب ذلك للصائمين المخلصين المودة والمحبة في قلوب المؤمنين.
لما كان أمر المخلصين بصيامهم لمولاهم سرا بينه وبينهم أظهر الله سرّهم لعباده، فصار علانية، فصار هذا التجلّي والإظهار جزاء لذلك الصون والإسرار.
قال يوسف بن أسباط: أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: قل لقومك يخفون لي أعمالهم وعليّ إظهارها لهم.
والمعنى الثاني: أن من عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل، فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا، فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله، بل هي محبوبة له وطيبة عنده، لكونها نشأت عن طاعته وإتباع مرضاته، فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطبيب لقلوبهم، لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا.
قال بعض السلف: وعد الله موسى ثلاثين ليلة أن يكلمه على رأسها فصام ثلاثين يوما، ثم وجد من فيه خلوفاً، فكره أن يناجي ربه على تلك الحال، فأخذ سواكا فاستاك به، فلما أتى لموعد الله إياه قال له: يا موسى أما علمت إن خلوف فم الصائم أطيب عندنا من ريح المسك، ارجع فصم عشرة أخرى([9])0
(2) الصيام يغفر الذنوب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "([10]).
قال الإمام ابن بطال رحمه الله :
ومعنى قوله : إيمانًا واحتساباً - يعنى : مصدقًا بفرض صيامه ، ومصدقًا بالثواب على قيامه وصيامه ومحتسبًا مريدًا بذلك وجه الله ، بريئًا من الرياء والسمعة ، راجيًا عليه ثوابه([11]) .
(3) باب الريان للصائمين : عَنْ سَهْلٍـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "([12]).
قال المهلب: إنما أفرد الصائمين بهذا الباب ليسارعوا إلى الري من عطش الصيام فى الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا ، وليكون دخولهم فى الجنة هينًا غير متزاحم عليهم عند أبوابها ، كما خص النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق بباب فى المسجد يقرب منه خروجه إلى الصلاة ولا يزاحمه أحد ، وأغلق سائرها إكراماً له وتفضيلاً([13])0
(4) فضل صيام يوم في سبيل الله: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يصوم عبد يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً "([14])0
قال المهلب: هذا الحديث يدل أن الصيام فى سائر أعمال البر أفضل إلا أن يخشى الصائم ضعفًا عند اللقاء ؛ لأنه قد ثبت عن الرسول أنه قال لأصحابه فى بعض المغازى حين قرب من الملاقاة بأيام يسيرة : (تقووا لعدوكم) فأمرهم بالإفطار ؛ لأن نفس الصائم ضعيفة وقد جبل الله الأجسام على أنها لا قوام لها إلا بالغذاء 0
ولهذا المعنى قال النبى - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو : ( أفضل الصوم صوم داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ، ولا يفر إذا لاقى ) فلا يكره الصوم البتة إلا عند اللقاء وخشية الضعف عند القتال ؛ لأن الجهاد وقتل المشركين أعظم أجرًا من الصوم لمن فيه قوة([15]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً "([16])0
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض "([17])
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام "([18])0
(5) الصوم لا مثل له: وعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال : قلت :يا رسول الله مرني بعمل ينفعني الله به قال: "عليك بالصوم فإنه لا عدل له "وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: " عليك بالصيام فإنه لا مثل له"([19])0
(6) الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة: عن عامر بن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم :" الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة " ([20])0
قال الإمام ابن رجب رحمه الله :
ومعنى كونها غنيمة باردة أنها غنيمة حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا ًصفواً بغير كلفة([21]).
وقال الإمام المناوى رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة) أي التي تحصل عفواً بغير مشقة لقصر النهار وبرده وعدم الحاجة مع ذلك إلى أكل وشرب([22])0
وقال قتادة:إن الملائكة تفرح بالشتاء للمؤمن يقصر النهار فيصومه ، ويطول الليل فيقومه .
(7) من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة : عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة " ([23]).
قال الإمام المناوي رحمه الله: " أي من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين ، أو من غير سبق عذاب ([24]).
( الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، قال: فيشفعان " ([25])0
(9) الصيام جُنة من النار: عن عثمان بن أبي العاص :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الصوم جُنة من عذاب الله " ([26]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصوم جُنة يستجن بها العبد من النار " ([27]) .
وقال صلى الله عليه وسلم :" الصيام جُنة وحصن حصين من النار " ([28])0
وقال صلى الله عليه وسلم " الصيام جُنة من النار كجُنة أحدكم من القتال " ([29]).
قال الإمام المناوي رحمه الله:
" وقاية في الدنيا من المعاصي بكسرة الشهوة وحفظ الجوارح وفي الآخرة من النار".
(10) دعوة الصائم لا ترد : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ثلاث دعوات مستجابات : دعوة الصائم ، ودعوة المظلوم ، ودعوة المسافر " ([30])0
قال الإمام المناوى رحمه الله:
( ثلاث دعوات) بفتح العين (مستجابات) عند الله تعالى إذا توفرت شروطها وأركانها (دعوة الصائم) ولو نفلا حتى يفطر ومراده كامل الصوم (ودعوة المسافر) سفرا جائزا حتى يصدر (ودعوة المظلوم) على من ظلمه حتى ينتصر([31])0
(11) الصيام كفارة للخطيئات : عن حذيفة رضي الله عنه :قال صلى الله عليه وسلم : " فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره ، يكفرها الصيام ، والصلاة ، والصدقة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ([32])0
(12) الصائمون هم السائحون : قال تعالى (التّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدونَ الآمرون بِالْمَعْرُوفِ وَالنّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ([33])0
قالت عائشة رضي الله عنها : سياحة هذه الأمة الصيام .
وقال ابن عباس رضى الله عنهما: كل ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون0
(13) أحب الصيام إلى الله عز وجل : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً "([34]) 0
(14) الصيام وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام "([35])0
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ماعشتُ :بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، وبأن لا أنام حتى أوتر " ([36])
المراد بالأيام الثلاثة هنا : الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر .
(15) الصيام حصن من حصون المؤمن : عن أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام جُنة وهو حصن من حصون المؤمن " ([37])0
(16) الصوم في الصيف يورث السُقيا يوم العطش: قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله قضى أن من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة "قال :" فكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه " ([38]).
وكان أبو الدرداء يقول : صوموا يوماً شديداً حره لحر يوم النشور ، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور([39])0
وقال ابن رجب رحمه الله :
" عن بعض السلف قال: بلغنا أنه يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب فيقولون : يارب نحن نُحاسب وهم يأكلون ، فيقال : إنهم طالما صاموا وأفطرتم وقاموا ونمتم "([40])0
(17) للصائم فرحتان : قال صلى الله عليه وسلم :" للصائم فرحتان ، فرحة حين يفطر ،وفرحة حين يلقى ربه " ([41]).
وفي الحديث : " وللصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه " .
قال العلامة ابن رجب رحمه الله: " أما فرحة الصائم عند فطره ، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح ، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما مُنعت منه خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه " ([42])0
(18) الصوم حصن للفرج وكسر للشهوة : عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ([43]) أي وقاية .
وقوله عليه السلام: "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" يحتمل أمرين:
أحدهما: أن تكون أفعل فيه مما استعمل لغير المبالغة.
والثاني: أن تكون على بابها فإن التقوى سبب لغض البصر وتحصين الفرج وفي معارضتها: الشهوة والداعي إلى النكاح وبعد النكاح: يضعف هذا المعارض فيكون أغض للبصر وأحصن للفرج مما إذا لم يكن فإن وقوع الفعل - مع ضعف الداعي إلى وقوعه - أندر من وقوعه مع وجود الداعي والحوالة على الصوم لما فيه كسر الشهوة فإن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل تقوى بقوتها وتضعف بضعفها([44]).
وقد قيل في قوله: "فعليه بالصوم" بأنه إغراء للغائب وقد منعه قوم من أهل العربية والوجاء الخصاء وجعل وجاء: نظرا إلى المعنى فإن الوجاء قاطع للفعل وعدم الشهوة قاطع له أيضا وهو من مجاز المشابهة.
وإخراج الحديث لمخاطبة الشباب: بناء على الغالب لأن أسباب قوة الداعي إلى النكاح فيه موجودة بخلاف الشيوخ والمعنى معتبر إذا وجد في الكهول والشيوخ أيضاً([45])0
(19) الارتقاء إلى درجة المتقين بالصيام : قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ) ([46])0
وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم . . إنها التقوى . . فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة ، طاعة لله ، وإيثاراً لرضاه .
والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية ، ولو تلك التي تهجس في البال ، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله ، ووزنها في ميزانه .
فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم ، وهذا الصوم أداة من أدواتها ، وطريق موصل إليها ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفاً وضيئاً يتجهون إليه عن طريق الصيام { لعلكم تتقون }([47])0
(20) الصيام يذهب الغل والحقد والوساوس : عن النمر بن تولب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من سره أن يذهبه كثير من وحر([48]) صدره فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر " ([49])0
هذا ما تيسر لى جمعه حول فضائل الصيام ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ولاتنسونا من صالح دعائكم 0
والله من وراء القصد
وهو حسبنا ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com http://ahmedarafa11.blogspot.com ---------------------------------------- ([1])أخرجه البخاري فى صحيحه – كتاب الصوم – باب فى فضل الصوم حديث رقم ( 1804)، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الصيام – باب فضل الصيام حديث رقم (2009) 0
([2])شرح صحيح البخاري:لابن بطال جـ 4 صـ 9 وما بعدها 0
([3])لطائف المعارف : صـ224 0
([4])سورة المزمل: الآية: 20 0
([5])سورة آل عمران : الآية : 30 0
([6])سورة الزلزلة : الآية: 7 0
([7])أخرجه أحمد فى مسنده حديث:17002وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث : 5432 0
([8])لطائف المعارف: صـ226 0
([9])لطائف المعارف : صـ231- 233 0
([10])أخرجه البخاري فى صحيحه – كتاب الإيمان – باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان حديث رقم (38)، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب الترغيب فى قيام رمضان حديث رقم(1308)0
([11])انظر : شرح صحيح البخاري لابن بطال جـ 1صـ 95 0
([12]) أخرجه البخاري فى صحيحه – كتاب الصوم – باب الريان للصائمين حديث رقم (1806) ، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الصيام – باب فضل الصيام حديث رقم (2019)0
([13])شرح صحيح البخاري: لابن بطال جـ 4صـ 15 0
([14])أخرجه البخاري فى صحيحه – كتاب الجهاد والسير – باب فضل الصوم فى سبيل الله حديث رقم (2705) ، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الصيام – باب فضل الصيام فى سبيل الله لمن يطيقه حديث رقم (2021)0
([15]) شرح صحيح البخاري: لابن بطال جـ 5 صـ 48 0
([16]) أخرجه ابن ماجة فى سننه – كتاب الصيام – باب فى صيام يوم فى سبيل الله حديث رقم (1714) وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم (1743) ، وفى صحيح الجامع حديث رقم(6334)0
([17]) أخرجه الترمذى فى سننه – كتاب الذبائح – أبواب فضائل الجهاد- باب ما جاء فى فضل الصوم فى سبيل الله حديث رقم (1591) وحسنه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى حديث رقم (1624) ، وفى صحيح الجامع حديث رقم (6333)0
([18])أخرجه النسائى فى سننه – كتاب الصيام حديث رقم (2234) وحسنه الألبانى فى صحيح سنن النسائى حديث رقم (2253) ، وفى صحيح الجامع حديث رقم (6330) 0
([19]) أخرجه الحاكم فى المستدرك حديث رقم (1466) ، وأخرجه النسائى فى سننه – كتاب الصيام حديث رقم (2204) وصححه الألبانى فى صحيح سنن النسائى حديث رقم (2221) ، وفى صحيح الجامع حديث رقم (4044)0
([20]) أخرجه الترمذى فى سننه –أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – باب ما جاء فى الصوم فى الشتاء حديث رقم (761) ، وصححه الألبانى فى صحيح سنن الترمذى حديث رقم (797)0
([21])لطائف المعارف :صـ450 0
([22])التيسير بشرح الجامع الصغير : جـ2صـ208 0
([23]) أخرجه البزار فى المسند حديث رقم (2476) ، وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (6224)0
([24])فيض القدير: جـ2صـ805 0
([25]) أخرجه الحاكم فى المستدرك – كتاب فضائل القرآن – أخبار فى فضائل القرآن جملة حديث رقم (1979) ، وأخرجه أحمد فى المسند حديث رقم (6454) وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (3882) ، وصحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (1429)0
([26]) أخرجه البيهقى فى السنن الصغير – كتاب الزكاة – باب فى فضيلة الصوم حديث رقم (1099) ، وأخرجه أحمد فى المسند حديث رقم (17603) وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (3866) وصحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (982)0
([27]) أخرجه أحمد فى المسند حديث رقم (24405) وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (4308) وصحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (981)0
([28]) أخرجه أحمد فى المسند حديث رقم (9038) وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم (3876) ،(3880) ، وصحيح الترغيب والترهيب حديث رقم(980)0
([29]) أخرجه ابن ماجة فى سننه – كتاب الصيام – باب ما جاء فى فضل الصيام حديث رقم (1635) ، وأخرجه النسائى فى سننه – كتاب الصيام حديث رقم (2211) وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم (1662) ، وفى صحيح الجامع حديث رقم (3866) ، (3879)0
([30]) أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان – كتاب فضائل الصوم حديث رقم (3435) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3030) .
([31])التيسير بشرح الجامع الصغير:جـ1صـ949 0
([32])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الصوم – باب الصوم كفارة حديث رقم (1805) ، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الفتن وأشراط الساعة – باب فى الفتنة التى تموج كموج البحر حديث رقم (5259)0
([33])سورة التوبة : الآية : 112 .
([34])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الصوم –باب حق الأهل فى الصوم حديث رقم (1891) ، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الصيام – باب النهى عن صوم الدهر لمن تضرر به حديث رقم (2043)0
([35])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الصوم – باب صيام أيام البيض : ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة حديث رقم (1895)0
([36]) أخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب استحباب صلاة الضحى حديث رقم (1218)0
([37])أخرجه الطبراني في الكبير حديث رقم (18009) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3881) .
([38])أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان – فضل أخبار وحكايات فى الصيام حديث رقم (3750) وضعفه الألبانى فى ضعيف الترغيب والترهيب حديث رقم (578)0
([39]) لطائف المعارف : صـ446 0
([40]) لطائف المعارف:صـ228 0
([41])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الصوم – باب هل يقول إنى صائم إذا شتم حديث رقم (1816) وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب الصيام – باب فضل الصيام حديث رقم (2014)0
([42])لطائف المعارف: صـ224 0
([43])أخرجه البخارى فى صحيحه – كتاب الصوم – باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة حديث رقم (1817) ، وأخرجه مسلم فى صحيحه – كتاب النكاح – باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه حديث رقم (2564)0
([44])إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : لابن دقيق العيد جـ1صـ389 0
([45])المرجع السابق : جـ1صـ390 0
([46])سورة البقرة الآية (183) .
([47])فى ظلال القرآن : جـ1صـ140 0
([48])الوحر : الحقد والغيظ والوساوس والغش.
([49])أخرجه أحمد فى المسند حديث رقم (20234) وصححه الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (1033)0