السؤال: هل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
هو ولي الله ، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا : ( وليكم
من بعدي ) ، أو ( أنا مِن عَلِي ، وعَلِيٌّ مني ) ، هل هذه الأشياء صحيحة ؟
وهل علي وفاطمة والحسين والحسن هم بمنزلة الأنبياء ( لا الرسل ).
الجواب :الحمد لله
أولا :
علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في عقيدة أهل السنة والجماعة – من
أولياء الله المكرمين، ومن الأئمة المهديين ، هو رابع الخلفاء الراشدين ،
ورابع العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أفضل الصحابة رضوان الله عليهم ،
فضائله ومناقبه زادت على العد والحصر ، حتى صنف فيها بعض علمائنا مصنفات
خاصة ، كالإمام أحمد بن حنبل في : " مناقب علي بن أبي طالب "، والإمام
النسائي في كتابه : " خصائص علي ".
ثانيا :
ومن هذه الفضائل :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ ) رواه البخاري (رقم/2699).
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أي : في النسب ، والصهر ، والمسابقة ، والمحبة ، وغير ذلك من المزايا " انتهى.
" فتح الباري " (7/507)
ومن هذه الفضائل أيضا :
ما يرويه عمران بن حصين رضي الله عنه فيقول :
( بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَمَضَى
فِي السَّرِيَّةِ ، فَأَصَابَ جَارِيَةً ، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ ،
وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ .
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ بَدَءُوا
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ
ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ
سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَامَ
أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلَمْ تَرَ إِلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا ؟!
فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ ،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ
فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا .
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ :
مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ، مَا
تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ، وَهُوَ
وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي ) .
رواه أحمد (33/154) طبعة مؤسسة الرسالة ، والترمذي (رقم/3712)
وآخرون كثيرون، كلهم من طريق : جعفر بن سليمان ، قال حدثني يزيد الرشك ، عن
مطرق بن عبد الله ، عن عمران بن حصين به . قال الذهبي رحمه الله : " هو من
أفراد جعفر " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (8/199) .
وقد اختلف علماؤنا في حكم هذا الحديث على قولين :
القول الأول : الحكم بقبول الحديث :
قال الترمذي :
" هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان " انتهى.
وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " انتهى. وسكت عنه الذهبي .
" المستدرك " (3/119)
وصححه ابن حبان بإخراجه في " صحيحه " (15/374)
وقال ابن عدي رحمه الله :
" أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه ، ولم يدخله البخاري " انتهى.
" الكامل " (2/146)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" إسناد قوي " انتهى.
" الإصابة " (4/569)
وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2223).
وحجتهم في تصحيح الحديث : توثيق كثير من أهل العلم لجعفر بن سليمان
الضبعي ، ووقوفهم على شاهدين آخرين للحديث ، وهما عن ابن عباس في " مسند
أحمد " (1/330)، وفي " مسند الطيالسي " (4/470) طبعة هجر بعناية الشيخ عبد
المحسن التركي ، وفي سنده أبو بلج مختلف فيه . والشاهد الثاني من حديث
بريدة بن الحصيب في " مسند أحمد " (38/118) وفي سنده أجلح بن عبد الله
الكندي وهو شيعي ضعيف ، ورواه غير واحد عن بريدة وليس فيه هذا اللفظ ،
ومنها في صحيح البخاري برقم : (4350).
القول الثاني : الحكم بتضعيف الحديث :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/385)
وضعفه محققو مسند أحمد طبعة مؤسسة الرسالة .
وسبب تضعيفهم له هو جعفر بن سليمان الضبعي الذي تفرد به ، فقد كان
يحيى بن سعيد القطان يستضعفه ، وكان عبد الرحمن بن مهدي : لا ينبسط لحديثه .
وقال فيه البخاري رحمه الله : يخالف في بعض حديثه . وقال علي بن المديني :
أكثر عن ثابت ، وبقية أحاديثه مناكير. وقال ابن سعد : كان ثقة وبه ضعف
. ينظر ذلك في " تهذيب التهذيب " (2/97)
ولما أجمع المحدثون أيضا على أنه كان شيعيا جلدا ، يشتم معاوية ،
حينئذ اختار جمع من أهل العلم تضعيف حديثه الذي يتفرد به ، فمثله لا يقبل
تفرده ، خاصة وأن ما يرويه ههنا مما ينصر بدعته ، وهذا ما نميل إليه في مثل
أحاديث الفضائل التي معنا.
ثالثا :
على فرض تصحيح الحديث وقبوله ، فليس فيه من قريب ولا من بعيد دلالة
على ما يريده الشيعة من إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، وذلك من أوجه عدة :
1-أن كلمة ( ولي ) لها معان كثيرة في
اللغة العربية ، فبأي دليل يخص الشيعة معناها ههنا بالخلافة ، يقول
الفيروزأبادي رحمه الله : " الوَلْيُ : أي : القُرْبُ ، والدُّنُوُّ ،
والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ . والوَلِيُّ : الاسمُ منه ، والمُحِبُّ ،
والصَّدِيقُ ، والنَّصيرُ . ووَلِيَ الشيءَ وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أَو
هي المَصْدَرُ وبالكسر : الخُطَّةُ والأمارَةُ والسُّلطانُ . والوَلاءُ :
المِلْكُ . والمَوْلَى : المالِكُ ، والعَبْدُ ، والمُعْتِقُ ، والمُعْتَقُ
، والصاحِبُ ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه ، والجارُ ، والحَليفُ ،
والابنُ ، والعَمُّ ، والنَّزيلُ ، والشَّريكُ ، وابنُ الأُخْتِ ،
والوَلِيُّ ، والرَّبُّ ، والناصِرُ ، والمُنْعِمُ ، والمُنْعَمُ عليه ،
والمُحِبُّ ، والتابِعُ ، والصِهْرُ " انتهى. " القاموس المحيط " (ص/1732)
2-لو كان المقصود بها الإمارة والخلافة
فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولي كل مؤمن بعدي )، وعلي رضي الله
عنه إنما كان خليفة على من عاش في زمانه ، ولم يكن أميرا على كل مؤمن إلى
يوم القيامة .
3-جاء في بعض روايات الحديث لفظ : ( ولي
كل مؤمن في الدنيا والآخرة ) " مسند أحمد " (5/179): وهذا اللفظ ينفي أن
معنى ( ولي ) ههنا هي الإمارة ، إذ كيف يكون أميرا على المؤمنين في الآخرة
؟!
4-لم نسمع من علي رضي الله عنه ولا من
أحد من أنصاره ، بل ولا من أحد من الصحابة الكرام الاحتجاج بهذا الحديث في
إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
والمعنى الصحيح لهذه الجملة هو ولاء المحبة والنصرة والتأييد ،
فحُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجب على كل مؤمن ، ونصرته وتأييده
على الحق كذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قوله : ( هو ولي كل مؤمن بعدي ) كذب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن ، وكل مؤمن وليه في المحيا
والممات ، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان ، وأما الولاية التي
هي الإمارة فيقال فيها : ( والي كل مؤمن بعدي ) كما يقال في صلاة الجنازة :
إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر ، وقيل يقدم الولي .
فقول القائل : ( علي ولي كل مؤمن بعدي ) كلام يمتنع نسبته إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي ، وإن
أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن " انتهى.
" منهاج السنة " (7/278)
وانظر جواب السؤال رقم :
(26794)ويقول أيضا رحمه الله :
" وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة ،
وذلك أن المولى كالولي ، والله تعالى قال : ( إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا )، وقال : ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير )
فبين أن الرسول ولي المؤمنين ، وأنهم مواليه أيضا ، كما بين أن الله
ولي المؤمنين ، وأنهم أولياؤهم ، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،
فالموالاة ضد المعاداة ، وهي تثبت من الطرفين ، وإن كان أحد المتواليين
أعظم قدرا ، وولايته إحسان وتفضل ، وولاية الآخر طاعة وعبادة ، كما أن الله
يحب المؤمنين ، والمؤمنون يحبونه ، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة
والمخادعة ، والكفار لا يحبون الله ورسوله ، ويحادون الله ورسوله ويعادونه ،
وقد قال تعالى : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) وهو يجازيهم على ذلك
كما قال تعالى : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله )
وهو ولي المؤمنين ، وهو مولاهم ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ،
وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم ، وكون الرسول وليهم
ومولاهم ، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة .
والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة ، وهذا حكم
ثابت لكل مؤمن ، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين
ويتولونه .
وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن ، والشهادة له بأنه يستحق
الموالاة باطنا وظاهرا ، و ذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج
والنواصب ، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره ، فكيف ورسول الله صلى
الله عليه وسلم له موالي ، وهم صالحو المؤمنين ، فعلي أيضا له موالى بطريق
الأولى والأحرى ، وهم المؤمنون الذين يتولونه ، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى
دون الله ورسوله )
وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه ، والله ورسوله مولاهم .
وفي الجملة : فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك ، وبين الوالي ، فباب
الولاية التي هي ضد العداوة شيء ، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء ،
والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل
: ( من كنت واليه فعلي واليه ) وإنما اللفظ : ( من كنت مولاه فعلي مولاه )
وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة ، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف
ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت ، وأما
الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت ، فعلم أن هذا ليس هذا .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ،
في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة ، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في
حياته ، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته ، أو قدر أنه
استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع ، فهو أولى بتلك الخلافة
وبكل المؤمنين من أنفسهم ، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما
في حياته ، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة
النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، وبعد ممات علي ، فعلي اليوم مولى كل
مؤمن ، وليس اليوم متوليا على الناس ، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء
بعض أحياء وأمواتا " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/322-325) ، مختصرا .
رابعا :
أما دعوى أن علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين رضي الله
عنهم جميعا هم في مرتبة الأنبياء : فهذه دعوى كاذبة باطلة ، بل هي كفر هادم
لعقيدة المسلم ، لمخالفتها لإجماع أهل العلم على أن مرتبة جميع الأنبياء
لا يبلغها أحد من غير الأنبياء ؛ قال الله تعالى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي
مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ ) الحج/75. فالرسل والأنبياء هم المصطفون من خلق الله ، ومن ادعى
خلاف ذلك فإنه مطالب بالدليل ، ولن يستطيع أحد أن يثبت أن عليا وفاطمة
والحسن والحسين في مرتبة الأنبياء إلا بالكذب والتحريف واختلاق الأحاديث
والأخبار .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" من غلا في الأولياء ، أو من يسميهم أولياء الله ، أو يسميهم أهل
الله ، أو يسميهم الحكماء أو الفلاسفة أو غير ذلك من الأسماء التي يقرنها
بأسماء الأنبياء ، وجعلهم مثل الأنبياء ، أو أفضل من الأنبياء ، فإنه
يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل " انتهى.
" الصفدية " (1/262)
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
" من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم ، أومساوياً لهم فقد كفر
، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء ، فأي خير في قوم اعتقادهم
يوجب كفرهم " انتهى.
" رسالة في الرد على الرافضة " (ص/29)، وانظر: " الفصل في الملل والأهواء النحل " (4/21)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجوابالسؤال: هل الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
هو ولي الله ، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن عليا : ( وليكم
من بعدي ) ، أو ( أنا مِن عَلِي ، وعَلِيٌّ مني ) ، هل هذه الأشياء صحيحة ؟
وهل علي وفاطمة والحسين والحسن هم بمنزلة الأنبياء ( لا الرسل ).
الجواب :الحمد لله
أولا :
علي بن أبي طالب رضي الله عنه - في عقيدة أهل السنة والجماعة – من
أولياء الله المكرمين، ومن الأئمة المهديين ، هو رابع الخلفاء الراشدين ،
ورابع العشرة المبشرين بالجنة الذين هم أفضل الصحابة رضوان الله عليهم ،
فضائله ومناقبه زادت على العد والحصر ، حتى صنف فيها بعض علمائنا مصنفات
خاصة ، كالإمام أحمد بن حنبل في : " مناقب علي بن أبي طالب "، والإمام
النسائي في كتابه : " خصائص علي ".
ثانيا :
ومن هذه الفضائل :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ ) رواه البخاري (رقم/2699).
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" أي : في النسب ، والصهر ، والمسابقة ، والمحبة ، وغير ذلك من المزايا " انتهى.
" فتح الباري " (7/507)
ومن هذه الفضائل أيضا :
ما يرويه عمران بن حصين رضي الله عنه فيقول :
( بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَمَضَى
فِي السَّرِيَّةِ ، فَأَصَابَ جَارِيَةً ، فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ ،
وَتَعَاقَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْنَاهُ بِمَا صَنَعَ عَلِيٌّ .
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ السَّفَرِ بَدَءُوا
بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ
ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى رِحَالِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَتْ السَّرِيَّةُ
سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَامَ
أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَلَمْ تَرَ إِلَى
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَنَعَ كَذَا وَكَذَا ؟!
فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَامَ الثَّانِي فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ ،
فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ
فَأَعْرَضَ عَنْهُ ، ثُمَّ قَامَ الرَّابِعُ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالُوا .
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ :
مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ، مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ، مَا
تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ ، إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ ، وَهُوَ
وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي ) .
رواه أحمد (33/154) طبعة مؤسسة الرسالة ، والترمذي (رقم/3712)
وآخرون كثيرون، كلهم من طريق : جعفر بن سليمان ، قال حدثني يزيد الرشك ، عن
مطرق بن عبد الله ، عن عمران بن حصين به . قال الذهبي رحمه الله : " هو من
أفراد جعفر " انتهى. " سير أعلام النبلاء " (8/199) .
وقد اختلف علماؤنا في حكم هذا الحديث على قولين :
القول الأول : الحكم بقبول الحديث :
قال الترمذي :
" هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان " انتهى.
وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " انتهى. وسكت عنه الذهبي .
" المستدرك " (3/119)
وصححه ابن حبان بإخراجه في " صحيحه " (15/374)
وقال ابن عدي رحمه الله :
" أدخله أبو عبد الرحمن النسائي في صحاحه ، ولم يدخله البخاري " انتهى.
" الكامل " (2/146)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" إسناد قوي " انتهى.
" الإصابة " (4/569)
وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/2223).
وحجتهم في تصحيح الحديث : توثيق كثير من أهل العلم لجعفر بن سليمان
الضبعي ، ووقوفهم على شاهدين آخرين للحديث ، وهما عن ابن عباس في " مسند
أحمد " (1/330)، وفي " مسند الطيالسي " (4/470) طبعة هجر بعناية الشيخ عبد
المحسن التركي ، وفي سنده أبو بلج مختلف فيه . والشاهد الثاني من حديث
بريدة بن الحصيب في " مسند أحمد " (38/118) وفي سنده أجلح بن عبد الله
الكندي وهو شيعي ضعيف ، ورواه غير واحد عن بريدة وليس فيه هذا اللفظ ،
ومنها في صحيح البخاري برقم : (4350).
القول الثاني : الحكم بتضعيف الحديث :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/385)
وضعفه محققو مسند أحمد طبعة مؤسسة الرسالة .
وسبب تضعيفهم له هو جعفر بن سليمان الضبعي الذي تفرد به ، فقد كان
يحيى بن سعيد القطان يستضعفه ، وكان عبد الرحمن بن مهدي : لا ينبسط لحديثه .
وقال فيه البخاري رحمه الله : يخالف في بعض حديثه . وقال علي بن المديني :
أكثر عن ثابت ، وبقية أحاديثه مناكير. وقال ابن سعد : كان ثقة وبه ضعف
. ينظر ذلك في " تهذيب التهذيب " (2/97)
ولما أجمع المحدثون أيضا على أنه كان شيعيا جلدا ، يشتم معاوية ،
حينئذ اختار جمع من أهل العلم تضعيف حديثه الذي يتفرد به ، فمثله لا يقبل
تفرده ، خاصة وأن ما يرويه ههنا مما ينصر بدعته ، وهذا ما نميل إليه في مثل
أحاديث الفضائل التي معنا.
ثالثا :
على فرض تصحيح الحديث وقبوله ، فليس فيه من قريب ولا من بعيد دلالة
على ما يريده الشيعة من إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، وذلك من أوجه عدة :
1-أن كلمة ( ولي ) لها معان كثيرة في
اللغة العربية ، فبأي دليل يخص الشيعة معناها ههنا بالخلافة ، يقول
الفيروزأبادي رحمه الله : " الوَلْيُ : أي : القُرْبُ ، والدُّنُوُّ ،
والمَطَرُ بعدَ المَطَرِ . والوَلِيُّ : الاسمُ منه ، والمُحِبُّ ،
والصَّدِيقُ ، والنَّصيرُ . ووَلِيَ الشيءَ وعليه وِلايَةً وَوَلايَةً أَو
هي المَصْدَرُ وبالكسر : الخُطَّةُ والأمارَةُ والسُّلطانُ . والوَلاءُ :
المِلْكُ . والمَوْلَى : المالِكُ ، والعَبْدُ ، والمُعْتِقُ ، والمُعْتَقُ
، والصاحِبُ ، والقريبُ كابنِ العَمِّ ونحوِه ، والجارُ ، والحَليفُ ،
والابنُ ، والعَمُّ ، والنَّزيلُ ، والشَّريكُ ، وابنُ الأُخْتِ ،
والوَلِيُّ ، والرَّبُّ ، والناصِرُ ، والمُنْعِمُ ، والمُنْعَمُ عليه ،
والمُحِبُّ ، والتابِعُ ، والصِهْرُ " انتهى. " القاموس المحيط " (ص/1732)
2-لو كان المقصود بها الإمارة والخلافة
فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولي كل مؤمن بعدي )، وعلي رضي الله
عنه إنما كان خليفة على من عاش في زمانه ، ولم يكن أميرا على كل مؤمن إلى
يوم القيامة .
3-جاء في بعض روايات الحديث لفظ : ( ولي
كل مؤمن في الدنيا والآخرة ) " مسند أحمد " (5/179): وهذا اللفظ ينفي أن
معنى ( ولي ) ههنا هي الإمارة ، إذ كيف يكون أميرا على المؤمنين في الآخرة
؟!
4-لم نسمع من علي رضي الله عنه ولا من
أحد من أنصاره ، بل ولا من أحد من الصحابة الكرام الاحتجاج بهذا الحديث في
إثبات الخلافة لعلي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
والمعنى الصحيح لهذه الجملة هو ولاء المحبة والنصرة والتأييد ،
فحُبُّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه واجب على كل مؤمن ، ونصرته وتأييده
على الحق كذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قوله : ( هو ولي كل مؤمن بعدي ) كذب على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن ، وكل مؤمن وليه في المحيا
والممات ، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان ، وأما الولاية التي
هي الإمارة فيقال فيها : ( والي كل مؤمن بعدي ) كما يقال في صلاة الجنازة :
إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر ، وقيل يقدم الولي .
فقول القائل : ( علي ولي كل مؤمن بعدي ) كلام يمتنع نسبته إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي ، وإن
أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن " انتهى.
" منهاج السنة " (7/278)
وانظر جواب السؤال رقم :
(26794)ويقول أيضا رحمه الله :
" وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة ،
وذلك أن المولى كالولي ، والله تعالى قال : ( إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا )، وقال : ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح
المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير )
فبين أن الرسول ولي المؤمنين ، وأنهم مواليه أيضا ، كما بين أن الله
ولي المؤمنين ، وأنهم أولياؤهم ، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،
فالموالاة ضد المعاداة ، وهي تثبت من الطرفين ، وإن كان أحد المتواليين
أعظم قدرا ، وولايته إحسان وتفضل ، وولاية الآخر طاعة وعبادة ، كما أن الله
يحب المؤمنين ، والمؤمنون يحبونه ، فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة
والمخادعة ، والكفار لا يحبون الله ورسوله ، ويحادون الله ورسوله ويعادونه ،
وقد قال تعالى : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) وهو يجازيهم على ذلك
كما قال تعالى : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله )
وهو ولي المؤمنين ، وهو مولاهم ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ،
وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم ، وكون الرسول وليهم
ومولاهم ، وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة .
والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة ، وهذا حكم
ثابت لكل مؤمن ، فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين
ويتولونه .
وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن ، والشهادة له بأنه يستحق
الموالاة باطنا وظاهرا ، و ذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج
والنواصب ، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره ، فكيف ورسول الله صلى
الله عليه وسلم له موالي ، وهم صالحو المؤمنين ، فعلي أيضا له موالى بطريق
الأولى والأحرى ، وهم المؤمنون الذين يتولونه ، وقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم : ( إن أسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى
دون الله ورسوله )
وجعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه ، والله ورسوله مولاهم .
وفي الجملة : فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك ، وبين الوالي ، فباب
الولاية التي هي ضد العداوة شيء ، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء ،
والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل
: ( من كنت واليه فعلي واليه ) وإنما اللفظ : ( من كنت مولاه فعلي مولاه )
وهذا مما يدل على أنه لم يرد الخلافة ، فإن كونه ولي كل مؤمن وصف
ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت ، وأما
الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت ، فعلم أن هذا ليس هذا .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ،
في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة ، وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في
حياته ، أو قدر أنه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته ، أو قدر أنه
استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع ، فهو أولى بتلك الخلافة
وبكل المؤمنين من أنفسهم ، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما
في حياته ، وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة
النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، وبعد ممات علي ، فعلي اليوم مولى كل
مؤمن ، وليس اليوم متوليا على الناس ، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء
بعض أحياء وأمواتا " انتهى.
" منهاج السنة النبوية " (7/322-325) ، مختصرا .
رابعا :
أما دعوى أن علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين رضي الله
عنهم جميعا هم في مرتبة الأنبياء : فهذه دعوى كاذبة باطلة ، بل هي كفر هادم
لعقيدة المسلم ، لمخالفتها لإجماع أهل العلم على أن مرتبة جميع الأنبياء
لا يبلغها أحد من غير الأنبياء ؛ قال الله تعالى : ( اللَّهُ يَصْطَفِي
مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
بَصِيرٌ ) الحج/75. فالرسل والأنبياء هم المصطفون من خلق الله ، ومن ادعى
خلاف ذلك فإنه مطالب بالدليل ، ولن يستطيع أحد أن يثبت أن عليا وفاطمة
والحسن والحسين في مرتبة الأنبياء إلا بالكذب والتحريف واختلاق الأحاديث
والأخبار .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" من غلا في الأولياء ، أو من يسميهم أولياء الله ، أو يسميهم أهل
الله ، أو يسميهم الحكماء أو الفلاسفة أو غير ذلك من الأسماء التي يقرنها
بأسماء الأنبياء ، وجعلهم مثل الأنبياء ، أو أفضل من الأنبياء ، فإنه
يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل " انتهى.
" الصفدية " (1/262)
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
" من اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم ، أومساوياً لهم فقد كفر
، وقد نقل على ذلك الإجماع غير واحد من العلماء ، فأي خير في قوم اعتقادهم
يوجب كفرهم " انتهى.
" رسالة في الرد على الرافضة " (ص/29)، وانظر: " الفصل في الملل والأهواء النحل " (4/21)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب