ثم تضيف قائلة ..
[
تصوّر نفسك سائحا وخطر ببالك أن تزور كنيسة، ليس في باريس أو لندن أو
بيفرلي هيلز، وإنّما في أحد أدغال افريقيا ، أو في جنوب السودان ، أو في
بنغلادش كأفقر أقفار الله ، هل تعتقد أنّك ستدوس فوق أرضها على ذرّة من
الغبار ، أو تزكم أنفك رائحة لانسان ؟! ليست الأزمة أزمة مال ، إنّها أزمة
عقل ودين ، أزمة عقل سقط رهينة ذلك الدين ! أمّة ابتلت بعقلها ووجدانها ،
وقبل أن تبتلي بهما ابتلت بدينها ! ]
وأكرر فقرتها الأخيرة لأؤكد هذه المعاني للقاريء ..
[
.. ليست الأزمة أزمة مال ، إنّها أزمة عقل ودين ، أزمة عقل سقط رهينة ذلك
الدين ! أمّة ابتلت بعقلها ووجدانها ، وقبل أن تبتلي بهما ابتلت بدينها ! ]
وهكذا أعفت ـ
وفاء سلطان ـ الأفراد البؤساء وسلوكهم من مسئولية المنظر الذي ازدرته عينيها والذي
ظهروا عليه .. وألقت باللوم على الدين الإسلامي نفسه .. على الرغم من علمها
ـ بحكم إسلامها المسبق كما تدّعي ـ بأن من المعلوم من الدين بالضرورة أن
النظافة هي جزء أساسي من الإيمان بالدين الإسلامي ..!!! وليس هذا فحسب ..
بل تقع الدكتورة في تناقضات واضحة ، بدون أن تتنبه لذلك ، حين تقول بأن
الأزمة ليست أزمة مال .. على الرغم من سؤالها عن قصة هؤلاء القوم النيام
داخل الجامع فيخبروها : [ .. .. أنّهم زوّار من بلاد اسلاميّة ، ولكي
يوفروا أجور الفنادق يضطرون للنوم داخل الجامع .. ] .. إذن فالأزمة ـ كما
نرى ـ هي أزمة مال ..!!! ولكن ـ وفاء سلطان ـ لا تريد أن ترى سوى أنها أزمة
الدين الإسلامي نفسه ..!!!
وفي الحقيقة ؛ تمثل وفاء
سلطان النموذج النمطي للغرب ـ وكل من يحذوا حذوها ـ في الهجوم على الدين
الإسلامي .. حي يجري هذا الأسلوب على النحو التالي ..
·
أولا : ينسبون ـ دائما ـ كل أخطاء المسلمين العصاة ، والجهلة منهم ، وكذا
كل أخطاء الطواغيت من حكام المسلمين ، إلى الدين الإسلامي نفسه .. وليس إلى
المسلمين العصاة ، والجهلة ، والحكام الطغاة ..!!! وفي جميع الأحوال
الإسلام منهم بريء . وللبرهنة على صحة هذه الحقيقة يمكن للقاريء الذهاب
إلى المرجع : " السقوط الأخير / تاريخ الصراع على السلطة منذ ظهور الإسلام
وحتى الوقت الحاضر " .. حتى يرى أن الإسلام لم يأت إلا بالديموقراطية
الليبرالية بمعناها المثالي .. ولكن انحراف الولاة عن الإسلام هو الذي شوّه
منهاج الله ـ سبحانه وتعالى ـ المثالي .
· ثانيا : يقومون بتصدير مشاكل
الكتاب المقدس إلى القرآن العظيم ..!!! تحت دعوى أن كل دين هو دين يماثل الديانة
المسيحية ( وهي الديانة التي تمثل " الفضيحة العقلية " .. على النحو الذي
رأيناه في الجزئين السابقين ) .. وكل كتاب دين هو كتاب يماثل الكتاب المقدس
( وهو الكتاب الذي تشكل الخرافة والأسطورة الفكر الأساسي فيه .. على النحو
الذي رأيناه في الجزئين السابقين ) .. وذلك بدون دراسة محايدة تؤكد صدق ما
يفترون به على الإسلام ..!!!
· أو بمعنى آخر ؛ لم ينتهِ
الغرب إلى الرفض والتجني على الإسلام من خلال دراسة نقدية وعلمية محايدة
انتهى منها إلى هذه النتيجة ..!!! بل يقوم بسحب نتيجة تجربته الدينية
الفاشلة مع الديانة المسيحية وتعميمها لتشمل الحكم على الدين الإسلامي ..
!!!
· ثالثا : يعتمد الغرب ـ في كل ما يكتبه عن الإسلام ـ
على " كتب التراث " وعلى أفكار الفرق الإسلامية المنشقة على الإسلام ، بل
ويعتبر فكر هذه الفرق أنها الإسلام الحق ..!!! والمعروف أن الفرق المنشقة
على الإسلام هي فرق ليست إسلامية ، كما وإن " كتب التراث " من المعروف أن
بها الكثير من الغث والقبيح ، بسبب الإسرائيليات والموضوعات المدسوسة فيها
.. بهدف ضرب الإسلام العظيم من داخله .. مثلما سبق وتم تحريف الكتاب المقدس
من قبل ..!!!
· رابعا : لا يعتمد الغرب في الاستشهاد
بالقرآن المجيد إلا فيما ندر ، وإذا استشهد بالقرآن المجيد .. فإنه يقوم
بالاستشهاد بفقرات محدودة ومتناثرة منه ، وبجمل قرآنية مقطوعة عن سياق
معناها الجزئي والكلي ( سنعود لبيان هذه المعاني في الرد الأخير ) .. ليقوم
ـ الغرب ـ بتفسيرها بما يخدم أغراضه وبالمعنى الذي يريد أن يدسه في الدين
الإسلامي .. تحقيقا لقوله تعالى ..
) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً
حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ
فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) (
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 109 )
· وتحقيقا لقوله تعالى ..
)
وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ
مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) (
( القرآن المجيد : البقرة {2} : 120 )
وبديهي
؛ لن تتننبه الدكتورة وفاء سلطان إلى قوله تعالى .. ) .. بَعْدَ الَّذِي
جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ .. ( .. أي أن الذي جاء إلى محمد ( صلى الله عليه
وسلم ) هو : " علم " وليس قضية دينية مسلم بها فحسب .. كما سنرى ذلك في
باقي هذا الرد ..
ونعود الآن ؛ لوصف دكتورة علم النفس
لرحلتها إلى وطنها الأم .. لكي تعود دائرة الحياة ( The circle of life )
للتكرار .. ولترى ـ دكتورة علم النفس ـ أن كل ما أثارته في رحلتها من
تساؤلات .. كما وأن موقفها .. هو موقف مماثل لموقف الكفار من قبل عند
تعرضهم لرسالة " نوح " ( عليه السلام ) .. كما يخبرنا بهذا المولى ( عز وجل
) في قوله تعالى ..
) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى
قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25) أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ
اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا
مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا
بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ
نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ
عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ
فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
(28) وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم
مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)
وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ
تَذَكَّرُونَ (30) وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ
تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ
بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُواْ
يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا
تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم
بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ
نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن
يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ
مِّمَّا تُجْرَمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن
قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ
يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ
تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) (
( القرآن المجيد : هود {11} : 25 - 37 )
وأتمنى
أن تفهم دكتورة علم النفس هذه المعاني . وبديهي ؛ لن أترك فهم هذه الآيات
الكريمة واستنتاج معانيها لذكاء الدكتورة ..!!! حيث برهنت في كل ما كتبت
على أن ذكاءها محدود للغاية .. كما وأن كتاباتها تعكس قصورا واضحة في فكرها
بدرجة تدعو للدهشة ..!!! وأبدأ هذه الرؤية بالبؤساء الذين كانوا يفترشون
أرض الجامع ليأتي قول الكافرين " لنوح " ( عليه السلام ) للمتبعين لمنهاج
الله ـ سبحانه وتعالى ـ في قوله تعالى ..
) .. وَمَا
نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (
أي كما يبدوا لنا بدون تفكير ) وََمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ
بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (
فهل كانت تتوقع ـ الدكتورة ـ
أن نطرد هؤلاء البؤساء من رحمة الله .. ) .. وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ
الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ
قَوْمًا تَجْهَلُونَ ( . فهل تنبهت إلى قول المولى ( عز وجل ) في أمثالها
.. ) .. وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ( .. أي الجهل هو
سمتها ..!!!
وقد ازدرت عينيها هؤلاء القوم .. ونست
الدكتورة ماضيها ـ باعترافها ـ بأنها كانت لا تجد ثمن تغيير الحذاء البالي
الذي كانت تلبسه هي وزوجها ..!!! ونست أنها تضرعت إلى السماء لكي تعطيها
دربا إلى أمريكا ..!!!
) .. وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ
تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا .. اللّهُ
أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (
سبحان الله العلي العظيم .. فقد آتاها الله الخير ..!!! أليس هذا الحوار
.. هو حوار بين الخالق العظيم .. وبينك ـ يا دكتورة علم النفس ـ وبين
أمثالك ..؟!!! سبحان الله العلي العظيم ..!!! أليس في هذا شهادة على صدق
هذا الكتاب الخالد ..
) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ
فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ
اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِن لَّمْ
يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ
وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14) مَن كَانَ
يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَـئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا
صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (16) (
( القرآن المجيد : هود {11} : 13 - 16 )
هل
أدركت ـ يا دكتورة علم النفس ـ هذه المعاني ..؟!!! ألم تتنبهي أنك تريدين
الحياة الدنيا وزينتها .. سيوفيها الله ( عز وجل ) لكِ .. كما جاء في قوله
تعالى .. ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ( .. ولكن
ـ وبكل أسف ـ فهذا هو مصيرك .. ) أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي
الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا
كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( ..
وتقول دكتورة علم النفس في "
رسالة شكر وتقدير إلى موقع الحوار المتمدن " : " لقد تضرعت إلى السماء لكي
تعطيني دربا إلى أمريكا " ..!!! والسؤال الآن ـ لدكتورة علم النفس ـ هل
كنتِ تتضرعين إلى الكواكب ، أم إلى النجوم ، أم إلى المجرات ..؟!!! مسكينة
تلك الدكتورة .. أشفق على ذكائها المحدود ..!!! فلم تتنبه ـ دكتورة علم
النفس ـ أنها كانت تتضرع بالفطرة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بدون أن تدري
..!!! وقد آتاها الله ـ سبحانه وتعالى ـ الخير على الرغم من شركها ..
وأعطاها دربا إلى أمريكا ..!!! ولكنها نست الفضل , نست فضل الله ـ سبحانه
وتعالى ـ عليها ..!!! وتعود دائرة الحياة ( The circle of life ) للتكرار
.. ولترى ـ دكتورة علم النفس ـ صورة قصتها كاملة في هؤلاء الأقوام .. كما
جاء في قوله تعالى ..
) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم
بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ
الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ
اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ
لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ
يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا
بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ
إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ
وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا
لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ
بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) (
( القرآن المجيد ـ يونس {10} : 22 - 24 )
)فهل
تنبهت الدكتورة إلى هذه المعاني الخالدة .. وإلى قوله تعالى .. ) ..
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ( ..!!! فهل اختلت
الدكتورة إلى نفسها ..؟!!! لمراجعة كل ما كتبت لترى إلى أي مدى تجنت على
الإسلام العظيم .. وحملته أخطاء الطواغيت .. والعصاة والجهلة من المسلمين
.. كما وأنها كانت ضحية لجهلها بهذا الدين العظيم ..!!! وأتمنى أن تعي
دكتورة علم النفس ـ قبل فوات الآوان ـ قوله تعالى ..
)
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ
كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً
فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) (
( القرآن المجيد ـ الأنعام {6} : 44 )
فالحقيقة ـ الآن ـ والتي لا تقبل الجدل .. أن المشكلة الأساسية تقع في جهل
الدكتورة ومن على شاكلها . ولكن جهل الدكتورة ـ دكتورة علم النفس ـ هو في
الواقع جهل مزدوج .. لأنه ليس فقط جهل بالجانب الديني .. بل هو أيضا جهل
بجانب علم النفس ( وسوف أعود لتحليل شخصية هذه الدكتورة المسكينة ـ إن شاء
الله تعالى ـ في الرد الأخير ) ..!!!
وعموما يمكننا القول بأن المشكلة الحقيقية تكمن في جهل الإنسان بصفة عامة
· بمعنى الدين ..
· ومعنى دور الدين في حياة الإنسان ..
· ومعنى الخالق العظيم ..
· ومعنى الغايات من الخلق ..
واكتفي بهذا القدر .. ولنبدأ قصة العلم والعقل ـ معا ـ في الدين الإسلامي والديانات الأخرى من أولها ..
من أهم أهداف هذا الرد ( أو البحث ) هو التركيز على فضل العلم والعلماء من
منظور الدين الإسلامي .. ( مع مقارنة سريعة بما ورد في الديانتين اليهودية
والمسيحية عن العلم ) حتى نخرص المرهصون في اتهام الدين الإسلامي بالبعد
عن العقل والمنهاج العلمي .. وهو المنهاج الذي يعتبر الأساس الأول في فكر " التحول
في النموذج الديني " .. أي الانتقال بالقضية الدينية من " حيز الوهم " ( أي
الإنسان هو الذي خلق الإله ، وليس الإله هو الذي خلق الإنسان ) ، أو من "
حيز الاعتقاد " ( أي الإيمان بدون برهان ) .. إلى حيز " القضايا العلمية "
ذات البراهين الرياضية والفيزيائية الراسخة . بل وسوف يجـد المهتمين
بالفلسفة ـ أيضا ـ أن كل أفكار وأسس الفلسفات الحديثة والمعاصرة مثل : "
الفلسفة الوضعية المنطقية " [1] و " الفلسفة التحليلية " .. أنها قد تم
احتوائها جميعا في الفكر الشامل الذي يقدمه القرآن المجيد .. وهو الفكر
الإلهي القاضي بتشكيل الفكر الإنساني على النحو الذي أراده الله ( I )
للإنسان .. تحقيقا لقوله تعالى :
) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ
مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ
فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (
(
( القرآن المجيد : الإنفطار {82} : 6 - 8 )
[
غرك بربك الكريم : والمعنى .. أيها الإنسان كيف دفعك الغرور ـ بجهل وليس
بعلم ـ إلى معصية الله .. وعدم الاستجابة لرسله ( مثل غره كرمه .. وغرته
قوته ) ]
فالمقطوع به ـ كما سنرى ـ أن القرآن المجيد أو
الفكر الإلهي قد عول أساسا على العلم والعلماء في فهم معنى الدين .. وإدراك
معنى الغايات من الخلق . بينما في المقابل سوف يجد القارئ أن المسيحية
واليهودية لا تتطلب تخلي الفرد عن العلم فحسب .. بل تتطلب أيضا تخليه عن
العقل كحتمية يستلزمها طبيعة الإيمان بالأساطير والخرافات التي يأتي بها
الدين اليهودي والدين المسيحي كل على حد سواء .. وذلك على النحو الذي
رأيناه في الجزئين الأول والثاني من هذه الردود ( يمكن للقاريء الذهاب ـ
أيضا ـ إلى موقع الكاتب :
www.truth-4u.com .. لرؤية المنهاج العلمي في القرآن المجيد )
كما انتهينا في مرجع الكاتب السابق ـ الدين والعلم وقصور الفكر البشري ـ
إلى كون الدين " قضية علمية كلية " يحوى بين دفتيه قوانين الحياة والعلم
الفيزيائى . ولهذا ؛ لابد وأن يكون المدخـل إلى الدين مدخلا علميا ونستطيع
أن نلخص ما سبق عرضه فى الآتى بعد :
· أن الدين علم .
والمتكلم فى الدين هو " الله " ـ بكمالاته المطلقة ـ والذى أحاط بكل شىء علما .
والكتاب الموحى به من الله هو " كتاب علم " أيضا ، قد أحكمت صياغته .
وبديهى
والأمر كذلك ؛ فلابد وأن من يستطع استيعاب هذا المفهوم والحكم على صحة
الكتاب والدين يجب أن يكون من العلماء .. كما جاء في قوله تعالى ..
)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
(
( القرآن المجيد : سبأ {34} : 6 )
وهكذا
يتحدد ـ بنص إلهي مباشر ـ الشرط الواجب توافره فيمن يستطيع الحكم على الدين
وطبيعة الكتاب المُنزّل من عند الله ، فى أنه يجب أن يكون من ) ..
الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ .. ( ، أى أن يكون من العلماء .
وهكذا
المدخـل إلى الدين ـ في الفكر الإسلامي ـ هو العلم ، والأقدر على فهم
الدين هم العلماء . ثم تلى هذه المعرفة ـ أي معرفة أن هذا الكتاب منزل من
عند الله ( I ) ـ هو التصديق به والإيمان به ، كما جاء فى قوله تعالى :
)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ
فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ
الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54) (
( القرآن المجيد : الحج {22} : 54 )
[ فتخبت له قلوبهم : أى تخضع قلوبهم للقرآن وتذعن بالتصديق به ]
حيث
تبين هذه الآية الكريمة ؛ أن الامتداد الطبيعى للمعرفة بأن هذا الكتاب
منزل من عند الله هو الإيمان به ) .. فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ .. ( أى
تخضع له قلوبهم وتذعن بالتصديق به ( أى بالتصديق بالقرآن ) . وهكذا نزل
الدين بالمفهوم العلمى بالمعنى العريض للكلمة ، ومن ثم فإن " القضية
الدينية " أصبحت " قضية علمية " ، كما أصبحت " القضية العلمية " هى "
قضية دينية " ، أي لا فرق بينهما .
وتموج الديانة الإسلامية بالعلم فى كل تعاليمها .. ولا يعقل هذه المعاني ويستوعبها إلا العلماء كما جاء في قوله تعالى ..
) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) (
( القرآن المجيد : العنكبوت {29} : 43 )
أى
أن كل ما يجىء به القرآن المجيد من أمثال وفكر ، لا يعقلها إلا العلماء .
وبديهى وحال الدين هو العلم ؛ أن يقوم علماء المسلمين عقب تنزيل القرآن
المجيد مباشرة في القرن السابع الميلادي ( أي وأوربا تموج بالجهل
والأساطير والخرافات .. ولا وجود للعلم فيها ) إلى تقسيم النصوص القرآنية
والسنة النبوية الشريفة ( أي كل ما ورد عن الرسول r من أحاديث وأفعال
وتقرير ) عن العلم .. إلى مواضيع وأبواب كثيرة منها :
1. فضل العلم 2. منزلة العلماء 3. العلماء ورثة الأنبياء 4. طلب العلم والعمل به
5. مجالس العلماء 6. كتابة العلم وحفظه 7. التدقيق فى العلم 8. تبليغ العلم
9. الفهم فى العلم 10. انتشار العلم 11. امتهان العلم 12. آداب العلم
وبديهى
؛ لن نتناول كل هذه البنود بالتفصيل ، وإلا ما وسعنا هذا البحث فى التعرض
لكل ما جاء حولها ، ولكن سوف نوجز ونجمل الخطوط العريضة فحسب التى تتحرك فى
إطارها الديانة الإسلامية التى تعلى من شأن العلم والعلماء ، حتى تعتبر
العلم هو ميراث الأنبياء ، كما جاء فى قول رسول الله ( r ) [ سنن الترمذي ]
..
[ .. إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ،
إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ،
إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ
.. ]
بل أن العلم وطلبه هو المدخل إلى نيل الخلاص ، فطلب العلم هو الطريق إلى الجنة ، كما جاء في قول رسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ..
[
.. مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ
طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ
أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ
يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ (
الأسماك ) فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ
كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ .. ]
فهكذا
حياة الإنسان من المنظور الإسلامى ، لا يتجاوز معناها عن السعى فى طلب
العلم .. فالعلم هو المدخل لتحقيق الغايات من الخلق وأول هذه الغايات هو
إدراك وجود الله ( U ) . وتدَرّج المعرفة بالله ( U ) يأتى فى قوله تعالى
على النحو التالى :
) شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ
إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ
لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) (
( القرآن المجيد : آل عمران {3} : 18 )
[
قائما : الذي يقوم به " الوجود " على نحو مطلق .. أي لا " وجود " إلا
بالله سبحانه وتعالى / القسط : يعني من المعاني الآتي : العدل ، القانون
الطبيعي ، المرجع المطلق ، التوازن الطبيعي .. إلى آخره من المعاني
المشابهة ]
وهكذا تتدرج المعرفة بالله ( I ) : الله ( I )
يشهد لكماله ولذاته بالربوبية والوحدانية وبأنه لا شريك له فى الخلق ولا فى
الأداء ، فهو القيوم على خلقه .. وهو القائم بالقسط والعدل فى ملكه . ثم
تأتى الملائكة ـ بعد ذلك ـ لتشهد على هذا الوجود وعلى هذه الوحدانية ..
شهادة حضرة ، أى إدراك ورؤية مباشرة . ثم يأتى العلماء ليشهدوا على كل هذا
شهادة علم .. ثم لتزيدهم هذه المعرفة الخشية من الله ، عز وجل ..
) .. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) (
( القرآن المجيد : فاطر {35} : 28 )
وبديهى
تمثل هذه الآية الكريمة معرفة اختبارية .. أى يستطيع قطاع كبير من
المؤمنين التحقق من صحتها وصدقها بشكل مباشر .. أو كل من أدرك من العلم مما
يكفى لمعرفة هذه الخشية .. وهي الآية الكريمة التي تبين أن العلماء هم
أكثر الناس خشية لله ، سبحانه وتعالى .
وحول هذا المعنى يروى لنا العالم الهندى " عناية الله مشرقى " قصته مع عالم الفلك البريطاني سير جيمس جينز فيقول :
[
لقد دعاني سير جيمس جينز لزيارته في أحد الأيام .. وأخذ يلقى عليّ محاضرة
عن تكوين الأجرام السماوية ، ونظامها المدهش ، وأبعادها وفواصلها
اللامتناهية ، وطرقها ، ومداراتها وجاذبيتها ، وطوفان أنوارها المذهلة ،
حتى إننى شعرت بقلبى يهتز من هيبة الله وجلاله ، أما ( السير جيمس ) فوجدت
أن شعر رأسه قائما والدموع تنهمر من عينيه ، ويداه ترتعدان من خشية الله .
وتوقف فجأه ثم بدأ يقول : " يا عناية الله ..!! عندما ألقى نظرة على
روائع خلق الله يبدأ وجودى يرتعش من الجلال الإلهى ، وعندما أركع أمام الله
وأقول له : إنك عظيم .. أجد أن كل جزء من كيانى يؤيدنى فى هذا الدعاء ،
وأشعر بسكون وسعادة عظيمين ، وأحس بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرة ]
واستكمالا
للقصة المذكورة ، يقول الدكتور عناية الله مشرقى : لقد استسمحت سير جيمس
جينز فى قراءة هذه الآية السابقة ، فلما قرأتها عليه وسمع النص القرآنى : )
… إنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلمَاءُ … ( صرخ قائلا :
ماذا قلت ؟ ) … إنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ العُلمَاءُ … ( مدهش
، وغريب ، وعجيب جدا ، إنه الأمر الذى اكتشفته بعد دراسة ومشاهدة استمرت
نحو خمسين عاما ..!!! هل هذه الآية موجوده حقا فى القرآن ..؟!! لو كان
الأمر كذلك فأكتب شهادة منى بأن القرآن موحى به من عند الله . وبديهى ؛ نحن
لا نقول بهذا تأييدا للفكر القرآنى ، فالفكر القرآنى ليس في حاجة لمثل هذا
التأييد . بل أقول بهذا لأن أحد العلماء قد أدرك جزئية قال بها القرآن
المجيد فى إحكام شديد ، فى ستة كلمات فقط ؛ بينما ـ هذه الجزئية ـ قد
استغرقت معرفتها من عالم فيزيائي ورياضي وفلكي حياته بالكامل لإدراك
معناها .
وطالما العلم كذلك ، يأتى قول رسول الله ( r ) [ سنن الدارمي ] ..
[ اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَاهُمَا
وربما كان هذا لسبب بسيط ، كما قال رسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ، هو أن ...
[ الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ شَرِيكَانِ فِي الْأَجْرِ ، وَلَا خَيْرَ فِي سَائِرِ النَّاسِ ]
ثم يزيد رسول الله ( r ) فيقول [ سنن ابن ماجه ] ..
[ مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ ]
ثم نأتى إلى " العقل " فى الديانة الإسلامية ، فنجد أن ذكره يأتى فى
القرآن المجيد ( هو ومشتقاته ) فى ( 49 ) موضعا . ويرتبط العقل ، فى
الديانة الإسلامية ، بنيل الخلاص وحسن المصير ، وهو ما يعنى أن " القضية
الدينية " هى قضية عقليه فى المقام الأول والأخير ، وليست صورة من صور
الاعتقاد فحسب . ونضرب على ذلك مثالين ؛ المثل الأول يمثل ارتباط فهم معانى
القرآن بالعقل وبالعلم ، وهو ما جاء فى قوله تعالى :
) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) (
( القرآن المجيد : العنكبوت {29} : 43 )
أما
المثال الثانى ، فهو يرتبط بعدم " تعقل " الكفرة لمعنى القضية الدينية ،
ويتمثل هذا فى إجابتهم ـ فى الآخرة ـ عند سؤالهم عن الرسل والنذر المرسلة
إليهم ، فتأتى الإجابة ـ بعد فوات الأوان ـ بأنهم كانوا لا يستمعون إليهم ،
وحتى إذا سمعوا ما كانوا يعقلون ما يسمعون .. ويأتى هذا المشهد فى قوله
تعالى :
) .. ألَمْ يَأتِكُمْ نَذِيرٌ (
قَالُوا بَلَى
قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ مِن
شَىْءٍ إِنْ أنْـتُمْ إِلَّا فِى ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا
نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أصْحَابِ السَّعِيرِ (10)(
( القرآن المجيد : الملك {67} : 8 - 10 )
[ السعير : النار ]
وهنا يأتى أهمية السمع والعقل والتعقل للإنسان لنيل الخلاص المأمول . ولهذا تأتي شكوى نوح من قومه .. في قوله تعالى ..
)
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ
يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ
لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا
ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) (
( القرآن المجيد : نوح {71} : 5 - 7 )
وهكذا
؛ تضع الشعوب المسيحية ( صاحبة الإله الخروف ) ، كما تضع الشعوب اليهودية (
صاحبة الإله اللاعب مع الحوت ) ..!!! أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا
الحق ..!!!
والتفكير من المنظور الإسلامى ، يقود مباشرة إلى الإيمان ، كما يـأتى هذا فى قوله تعالى :
)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) (
( القرآن المجيد : آل عِمْران {3} : 190 - 191 )
كما وأن الإيمان لا يأتى من فراغ بل يأتى من العلم ، وبهذا لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، كما جاء فى قوله تعالى :
)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ
الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا
الْأَلْبَابِ (9) (
( القرآن المجيد : الزمر {39} : 9 )
[
أمن هو قانت : هى مقارنة مع ما سبقها من آيات ، وتعنى أهذا الذى يضل عن
سبيل الله مثل من هو قانت : مطيع لله / آناء الليل : ساعاته / يحذر
الآخرة : يخاف الآخرة / أولوا الألباب : ذوي العقول ]
ويعتبر الإسلام " العلم " بأنه ـ يكاد يكون ـ الوسيلة الوحيدة للتحقق من
صحة هذا " البلاغ العقلانى " القادم من الله ( U ) ، حتى بات العلم ـ من
المنظور القرآنى ـ هو وسيلة التفضيل بين مفردات الوجود الإنسانى .. لهذا
يجىء قوله تعالى ..
) .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) (
( القرآن المجيد : المجادلة {58} : 11 )
وقد
يتنبه الإنسان ـ أو قد لا يتنبه ـ إلى موضع كلمة ) .. مِنكُمْ … ( فى
سياق كلمات الآية الكريمة السابقة ، ليدرك أنه يوجد سياقين فى التفضيل
الإلهي . سياق تفضيل إيمانى يقع فى داخله المنظومة الإسلامية ) ..
الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ .. ( أي أنه أمر مقصور على المسلمين فقط .
وسياق تفضيلى آخر ، هو سياق تفضيل علمي ـ مستقل عن الإيمان الإسلامي ـ تقع
فى داخله البشرية جمعاء ، أى ) .. وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ
.. ( من كل البشرية بما فى ذلك المسلمين وغير المسلمين .. وسبحان الله
على الإحكام القرآني ..
) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) (
( القرآن المجيد : محمد {47} : 24 )
[
أفلا يتدبرون القرآن : فيعرفون الحق / أم : بل / على قلوب أقفالها :
فلا يفهمونه .. وقد سبق الكلام عن دور القلب في التفكير والفقه ]
وهكذا ؛ العلم له درجته الخاصة به ، كما وأن الإيمان له درجته المستقلة عن درجة العلم ، وهى درجة مقصورة على المسلمين فحسب .
ولهذا
كانت أولى آيات القرآن المجيد قاطبة على محمد ( r ) دعوة إلى العلم
والتعلم ، وبديهى أن هذا المدخل لن يتحقق إلا بالقراءة والكتابة ، كما جاء
فى قوله تعالى :
) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ
(1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
(5) (
( القرآن المجيد : العلق {96} : 1 - 5 )
وكما
نرى ؛ فإن القرآن يقرر الحقيقة العلمية التالية : ) خَلَقَ الْإِنسَانَ
مِنْ عَلَقٍ ( . وكلمة " علق " هي كلمة جامعة تعني الحيوان المنوي للذكر
.. كما تعني " تعلق " بويضة الأنثى المخصبة بجدار الرحم . كما تعني مرحلة
الجنين الأولى وهو كعلقة من الدم .. وبعد التكون يكون كعلقة البرك .. وهكذا
من طيف عريض من المعاني التي تحملها هذه الكلمة ( سبحان الله ..!!! ) . ثم
نأتي إلى معنى " القلم " . فبديهى ؛ أن " القلم " هو ذاكرة التاريخ وحضارة
الإنسان ، ويأتى هذا من طبيعة وكيفية عملية تعلم الإنسان التى لا تتحقق
إلا باستخدام القلم . فمهما أوتى الفرد من ذكاء فإنه لا يستطيع حل أبسط
المعادلات الرياضية إلا باستخدام القلم .. وهكذا عن عمليات التعلم الأخرى .
والسعى وراء المعرفة هو أمر إلهى صريح .. لقوله تعالى :
) قُلِ اْنظُرُوا مَاذَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ .. (101) (
( القرآن المجيد : يونس {10} : 101 )
) قُلْ سِيرُوا فى الأرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ .. (20) (
( القرآن المجيد : العنكبوت {29} : 20 )
وكما
سبق وأن بينت ، لولا اختلاف بداية الخلق عما نحن عليه الآن .. لما قال
المولى ( U ) ) .. فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ .. ( .. وفي هذا إشارة
ضمنية إلى " نظرية النشوء والارتقاء " .
بل ويمتد أثر
العلم وفضله على الإنسان إلى ما وراء موت الإنسان . أى أن العلم يتبع
الإنسان إلى العوالم الأخرى .. لقول الرسول ( r ) [ سنن الترمذي ] :
[
إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ
صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو
لَهُ ]
فهكذا فضل العلم يلاحق الإنسان فى جميع صور وجوده
الممتد إلى العوالم الأخرى ، فهو ليس مقصورا على عالمنا هذا ، بل يمتد إلى
ما بعد مغادرتنا لهذا العالم إلى العوالم الأخرى ..
ولهذا يقول رسول الله ( r ) [ صحيح البخاري ] ..
[
لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا
فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ
الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ]
وحول فضل العلماء ، نورد قول أبو إمامة الباهلى [ سنن الترمذي ] .. بأنه قال :
[
ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ
أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي
عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ
لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ ]
وفى قول آخر لرسول الله ( r ) [ مسند أحمد ] عن فضل العلماء ...
[
إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي
السَّمَاءِ يُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَإِذَا
انْطَمَسَتِ النُّجُومُ أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الْهُدَاةُ ]
وقال رسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ..
[
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ
اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ
مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ يَسَّرَ
عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ
وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ
بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ
بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ
إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ
وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ
أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ]
ومرفوض إسلاميا كتم العلم ، لقول رسول الله ( r ) [ سنن أبي داود ] ..
[ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ]
ويتأكد هذا المعنى فى قول آخر لرسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ..
[ مَا مِنْ رَجُلٍ يَحْفَظُ عِلْمًا فَيَكْتُمُهُ إِلَّا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلْجَمًا بِلِجَامٍ مِنَ النَّارِ ]
ويُرَغب رسول الله ( r ) فى نشر العلم فيقول [ سنن الترمذي ] ..
[ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ]
والسؤال عن العلم هو سؤال أساسى فى اليوم الآخر ، كما فى قول الرسول الكريم ( r ) [ سنن الترمذي ] :
[
لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ
عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ
مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ
أَبْلَاهُ ]
وعن التدقيق فى العلم يقول رسول الله ( r ) [ مسند أحمد ] ..
[ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ]
والعلم هو خير وسيلة لحماية الإنسان من فتن هذه الحياة الدنيا .. كما يأتى هذا المعنى فى قول رسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ..
[ سَتَكُونُ فِتَنٌ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا إِلَّا مَنْ أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالْعِلْمِ ]
ثم نختم هذه العجالة بقول رسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ..
[ فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ ]
والفقيه هو العالم العابد ..
وقبل أن نغادر هذا البحث ؛ لابد لنا من ذكر موقف الدولة الإسلامية من
العلم والفلسفة ؛ فتاريخيا نجد أن الدولة الإسلامية كانت أرحب صدرا وأسمح
فكرا مع الفلسفة اليونانية من بلاد العالم اليونانى الذى نشأت فيه ، ويمكن
أن نتبين ذلك من مصائر فلاسفة اليونان ذاتهم . فثالوث الفلسفة اليونانية
يتجمع فى : " سقراط : Socrate " ( 469 – 399 ق. م. ) ، و " أفلاطون :
Platon " ( 427 – 347 ق. م. ) تلميذ سقراط ، و " أرسطو : Aristotle " (
384 – 322 ق. م. ) تلميذ أفلاطون . فقد حوكم سقراط بثلاث تهم هى : إنكار
الآلهة القومية ، وتنصيب آلهة جديدة خاصة به ، وإفساد الشباب . وقد حكم
عليه بالموت بأن حمل إليه كأس مسمومة شربها بشجاعة بعد أن رفض أن يهرب .
وأفلاطون بيع فى سوق العبيد ، وارسطو نجا بنفسه من أثينا خوفا من عاقبة
كعاقبة سقراط ، بعد أن رماه كاهن من كهانها بالإلحاد . فإذا ذهبنا إلى
الفيثاغورثيون فقد مات فيثاغورث قتيلا بجانب مزرعة فول . وهكذا ؛ كان حال
الفلاسفة والمفكرين مع محاكم التفتيش حتى بداية عصر النهضة ..!!!
ونقارن بين أحوال فلاسفة اليونان وبين أحوال فلاسفة المسلمين ، فلا نرى
أحدا أصيب بمثل هذا المصاب من جراء الفلسفة أو الأفكار الفلسفية ، ومن أصيب
منهم يوما بمكروه فإنما كان من كيد السياسة ولم يكن من حرج بالفلسفة أو
حجر على الأفكار . فأشهر الفلاسفة المسلمين فى المشرق : " ابن سينا :
Avicenna " ( 980 - 1037 م. ) الملقب بالشيخ الرئيس دخل السجن لأنه كان عند
أمير همذان فبرم بالمقام عنده ، وأراد أن يلحق بأمير أصفهان علاء الدولة
بن كاكويه فسجنه أمير همذان ليبقيه إلى جواره ، ولم يسجنه على رأى من آرائه
. والفيلسوف العربى : " ابن رشد : Averroes " ( 1126 – 1198 م. ) ، أشهر
فلاسفة المسلمين فى المغرب ، أصابته النكبة لأنه لقب الخليفة المنصور فى
بعض كتبه بلقب " ملك البربر " ( سبق ذكر أسباب أخرى في مقال : المنهاج
العلمي في القرآن المجيد ) . وهكذا ؛ فكثير من نكبات الفلاسفة المسلمين لم
يكن سببها الفلسفة أو الدين ، بل كانوا ضحايا للسياسة فينالهم منها ما ينال
سائر ضحاياها ..!!!
ثم ننهى هذه الفقرة بقول رسول الله ( r ) [ سنن ابن ماجه ] ..
[ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلَّغٍ يَبْلُغُهُ أَوْعَى لَهُ مِنْ سَامِعٍ ]
فهذا هو الإسلام وموقفه من العلم والعلماء فى عجالة قصيرة . وننهي هذه الفقرة بقول الحق تبارك وتعالى عن قرآنه المجيد ..
{
وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ
عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) قُلْ آمِنُواْ
بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن
قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً
(108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) }
( القرآن المجيد : الإسراء {17} : 105 - 109 )
[ فرقناه : بيناه وفصلناه أو أنزلناه مفرقا / على مكث : على تؤده وتأن ]
وكما نرى ؛ فهى آيات اخبارية إختبارية قابلة للملاحظة والتدقيق والتحقيق ،
فهى تصف الجانب النفسى لما يمكن أن يكون عليه رد فعل الجانب النفسى للذين
أوتوا العلم تجاه
</blockquote>