الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام لقول النبي
:
{
بني الإسلام على خمس ـ يعني على خمس دعا ئم - شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت } [متفق على صحته].
وقد
أكثر الله من ذكرها في كتابه العظيم، لعظم شأنها وشدة حاجة أهلها إليها،
ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويكفي
لعظم شأنها أنها قرنت بالتوحيد والصلاة قال تعالى:
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ [البينة:5]. ويقول سبحانه في سورة التوبة:
فَإِن تَابُواْ أي من الشرك
وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]. وجاء ذلك في آيات كثيرات، وفي الأحاديث الصحيحة أيضاً الشيء
الكثير من ذلك، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي
أنه قال:
{
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم
إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله } [البخاري ومسلم]. وقد ثبت عن معاذ بن جبل
حين بعثه النبي
إلى اليمن معلماً ومرشداَ وداعياً إلى الله عز وجل أنه قال له:
{ إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله } [البخاري ومسلم] وفي لفظ
{ فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله } [البخاري] والمعنى: ابدأ بالتوحيد والتوجه بالعبادة لله وحده، فهذا أهم
أمورهم وهو توحيد الله وتقواه وهو أوجب الأمور، ولهذا بدأ الرسول
بدعوة الناس إلى الله.
فقد مكث
بمكة عشر سنين يدعو إلى التوحيد قبل أن تفرض الصلوات والزكاة، يدعو الناس
إلى أن يخلصوا الله بالعبادة وأن يخلعوا ما كانوا يعبدون من دون الله من
أصنام وأوثان وغير ذلك. ثم بعد ذلك فرضت الصلوات واستمر في الدعوة لتوحيد
الله. فالتوحيد هو أحب الأمور إلى الله وأوجبها على العبد وهو: ( إخلاص
العبادة لله وحده ) فلا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به ولا يتوكل إلا
عليه مع الإيمان بالرسول
والإيمان بأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين. وأكثر الخلق في إعراض عن
هذا الأمر العظيم وعدم إقبال عليه إنما يتبعون أهواءهم كما قال تعالى:
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44]. فيجب على كل مكلف من الجن والانس أن يتقي الله وأن يعبد
الله وحده، لأنه خلق لهذا الأمر كما قال الله تعالى في سورة الذاريات:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فالإنسان خلق ليعبد ربه وليخصه بالعبادة وليدعوه وليستغيث
به وليخافه ويرجوه وليصلي له وليصوم له وليزكي له وليحج له، فكل العبادات
يجب أن تكون لله وحده كما قال سبحانه:
قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:163،162].
فالواجب
على جميع الثقلين عبادة الله وحده وأن يخصوا الله بذلك، وأن يخلصوا لله في
العبادة ولا يشركوا معه لا ملكاً ولا نبياً ولا جنياً ولا إنسياً ولا
ولياً ولا غير ذلك، فالعبادة حق الله وحده كما قال تعالى:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]. وقا ل سبحانه:
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]. والعبادة تكون بالدعاء وبالذبح وبالنذر والصوم والصلاة والخوف
والرجاء، وكثير من الناس لا يعرفون هذا الأمر ولا يخصون الله بالعبادة كما
قال سبحانه:
وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]. وقال سبحانه:
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام:116].
فتجد بعض الناس يدعو النبي
أو يدعو الولي الفلاني، وتجد آخر يدعو الحجر الفلاني أو الشجر أو غير ذلك،
وكل هذا شرك أكبر ومن ذلك دعاء الأموات كالبدوي والحسين وعلي بن أبي طالب
رضي الله عنهما أو عبد القادر الجيلاني أو الملك الفلاني أو إبراهيم عليه
السلام أو إسماعيل عليه السلام أو النبي محمد
أو نوح عليه السلام أو عيسى عليه السلام أو موسى عليه السلام أو غيرهم.
فكل هؤلاء دعوتهم من دون الله والاستغاثة بهم من الشرك الأكبر وكذلك الذبح
لهم، ولهذا قال النبي
لمعاذ لما بعثه إلى اليمن:
{ ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله } [البخاري ومسلم] أي ادعهم إلى أن يوحدوا الله، والمعنى يبدأ دعوته لهم
بالتوحيد كما بدأ جميع الرسل دعوتهم بذلك، وذلك قبل الدعوة إلى الصلاة
والزكاة وغير ذلك، لأن هذا هو أساس الدين وهو أساس الملة وهو أعظم واجب.
يقول جل وعلا:
وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً [النساء:36]. ويقول جل وعلا:
فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3،2]. ويقول جل وعلا:
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14]. وفي غالب الأمصار والبلاد - إلا من رحم الله - تجد من عبد مع
الله سواه، فهذا يعبد فلاناً وهذا يدعو فلاناً وهذا يرجو فلاناً عند شدة
المصائب وعند حدوث الكروب فيفزع إلى البدوي أو إلى عبد القادر أو إلى
الحسين أو إلى النبي
أو إبراهيم عليه السلام أو إلى إسماعيل عليه السلام أو إلى فلان يستعيذ
بهم أو يستغيث بهم، فهذا هو الشرك الأكبر وهكذا الذبح لهم والنذر لهم، ومن
ذلك أن يدعو الجن ويسألهم قائلاً أيها الجن افعلوا كذا افعلوا كذا.
فالعبادة حق الله سبحانه يجب الإخلاص فيها لله. فإذا حزبك أمر فقل: يالله
أغثني، يا الله اهدني، يا الله أدخلني الجنة، يا الله بارك لي فيما
أعطيتني، يا رب نجني من كذا، خلصني من كذا، تتضرع إلى الله فهو الذي يقول:
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]. ويقول سبحانه:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. ويقول سبحانه:
قُلْ إِنَّ صَلاَتِي ( أي: قل يا محمد إن صلاتي )
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ
شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163،162]. ويقول جل وعلا:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2،1].
فيجب
على المكلفين من الإنس والجن أن يخلصوا لله في العبادة بحيث لا يدعون ولا
يستغيثون ولا ينذرون إلا لله ولا يذبحون ولا يخافون من غير الله، هكذا بعث
الله الرسل كما قال تعالى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [النحل:36]. وقال سبحانه:
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ [الأعراف:59].
هكذا كل الأنبياء كلهم دعوا الناس إلى توحيد الله، ولهذا أوصى الرسول
الرسل الذين بعثهم إلى البلاد أن يبدأوا بدعوة الناس إلى توحيد الله كما أوصى معاذاً بذلك، وكذلك علياً
وكذلك أبا موسى الأشعري وكلهم يدعون الناس إلى توحيد الله وطاعة الله، ثم
بعد ذلك يدعون إلى الصلاة والزكاة. فالذي لا يوحد الله لا صلاة له ولا زكاة
ولا صوم بل كلها باطلة، لقوله تعالى:
وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]. وقال سبحانه:
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. ويقول تعالى أيضاً:
إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]. فلو أنفق الإنسان ما في الأرض ومثل الجبال وهو مشرك ما تقبل منه، كما قال تعالى:
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً [الفرقان:23].
فعلم
أن المؤمن الموحد هو الذي لا يدعو إلا الله ولا ينذر إلا لله ولا يذبح إلا
لله، فإذا حزبه أمر يقول: يارب أعطني، يارب اشفني، يارب انصرني، يارب
نجني، يارب أدخلني الجنة، يارب ارزقني الولد الصالح، يارب يسر لي الزوجة
الصالحة، وهكذا حكم النذر، فالرسول
يقول:
{ من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } [البخاري ومسلم]. فإذا قال المسلم: ( لله علي أن أذبح بقرة ) أو ( لله علي
أن أذبح ناقة ) أو ( لله علي أن أتصدق بكذا ) وجب عليه هذا، لقوله
:
{ من نذر أن يطيع الله فليطعه }. وهكذا لو قال: ( إن شفى الله مريضي فعلي أن أذبح كذا لله ) وجب عليه ذلك إذا شفي الله مريضه، ولكن لا ينبغي له النذر، لقول النبي
:
{ لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل } [متفق على صحته]. أما لو قال: ( إن شفى الله مريضي فلسيدي البدوي كذا أو
للولي عبد القادر كذا أو للولي الفلاني كذا ) فهذا شرك أكبر، ولهذا قال
الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في كتاب التوحيد ( باب من الشرك
النذر لغير الله ) وقال: ( باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره )
وقال: ( باب من الشرك الاستعانة بغير الله )، ومقصوده رحمه الله بهذه
الأبواب التحذير من الشرك، لكونه أعظم الذنوب وكثير من الحجاج عند قبر
النبي
وصاحبيه رضي الله عنهما يدعونهم من دون الله ويستغيثون بهم، هذا هو الشرك
الأكبر، وهكذا في مقبرة البقيع يقع مثل ذلك من بعض الحجاج، كما تفعل
الرافضة وأشباههم من عباد القبور فهذا كله من الشرك الأكبر.
فلا يدعى النبي
ولا الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا غيرهم من الأموات ولا الملائكة ولا الجن، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده، فالنبي
يصلى عليه: ( اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) يصلى عليه ويتعبد بشريعته. أما العبادة فحق الله، قال تعالى:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]. وقال سبحانه:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]. وقد يقول بعض الحجاج وغيرهم وقفت عند قبرك يا رسول الله
انصرني أو اشف مريضي أو اشفع لي فلا يجوز ذلك بل هو من الشرك الأكبر. أما
إن قال في دعائه لله: اللهم شفع فيَّ نبيك يوم القيامة إذا بعث الناس فلا
بأس، لأنه
يشفع في المؤمنين يوم القيامة حتى يدخلوا الجنة، ويشفع في كثير من العصاة الموحدين فيخرجهم الله من النار بشفاعته
بعد أن يأذن الله له في ذلك كما تواترت بذلك الأحاديث عن النبي
في الصحيحين وغيرهما، أما بعد الموت وقبل البعث فلا يدعى ولا يستغاث به
وهكذا بقية الأنبياء، وهكذا الصالحون، وهكذا غيرهم فلا يدعى غائب ولا ميت
ولا جماد كالصنم والشجر وغير ذلك، أما الحي الحاضر القادر فلا بأس أن يسأل
فيما تجيزه الشريعة المطهرة كأن تقول يا فلان ساعدني في ثمن شراء السيارة،
أو في إصلاح المزرعة، أو تطلب منه قرضاً وهو حي يسمع كلامك، لأنه قادر كما
قال الله تعالى في قصة موسى عليه السلام مع القبطي:
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]. وهكذا خوف الإنسان من اللصوص فيضع حرساً كما قال الله تعالى في قصة موسى أيضاً:
فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً [القصص:21] أي من مصر خائفاً من فرعون؛ لأن فرعون له سلطة وقدرة فخرج موسى
خائفاً من فرعون فلا بأس، كأن يكون هناك بلد فيه شر فيخرج المسلم منه
اتقاء ذلك الشر، أو يؤذى المسلم فيضع حرساً فلا بأس. أما الخوف من أصحاب
القبور ودعاؤهم من دون الله، هكذا دعاء الجن فهو شرك أكبر، والله جل وعلا
يقول:
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].
أما
الذبح للضيف مثلاً فلا بأس، وكذلك الذبح للأكل، أما للجني الفلاني أو
لصاحب قبر حتى يشفع لك أو حتى يجيرك من كذا أو حتى يعينك على كذا فهذا من
الشرك الأكبر، لقول النبي
:
{ لعن الله من ذبح لغير الله } [رواه مسلم]، ولأنه عبادة عظيمة صرفها لغير الله فكان مشركاً بالله عز وجل وهذا أمر خطير جداً ويجب الحذر منه.
ثم
الصلاة أوّل شيء بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لا
يسلم المسلم إلا بهما، فإذا قالهما صادقاً مخلصاً مؤمناً بأن الله هو
المستحق للعبادة ومؤمناً برسول الله
وبأنه أرسل بالحق لجميع الناس، صادقاً في ذلك لا منافقاً دخل في الإسلام.
أما إن قالهما رياءً فلا يدخل في الإسلام، وإنما يدخل فيه إذا قالهما صدقاً
وإخلاصاً أن الله هو المعبود بالحق، وأنه هو الإله الحق المستحق للعبادة
لا يستحقها سواه، ويشهد أن محمداً رسول الله شهادة جازمة صادقاً فيها يعلم
أنه رسول الله إلى جميع الثقلين من الجن والإنس، واتبعه وعمل بشرعه نجا
وصار إلى الجنة، ومن حاد عن سبيله ولم يتبعه أو لم يصدقه صار إلى النار.
بعد
هاتين الشهادتين العظيمتين الصلاة والتي يجب على كل مسلم أن يحافظ عليها
في أوقاتها ويؤديها في الجماعة في المسجد إلا المريض المعذور والشيخ الكبير
العاجز، هذا هو الواجب، لقوله تعالى:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]. ولقوله سبحانه:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]. وهي المساجد يصف الله القائمين فيها بأنهم
رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ [النور:37]، ويقول الله سبحانه وتعالى:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2،1]. ولما رأى النبي
رجلاً صلى فأساء في صلاته ولم يطمئن فيها أمره أن يعيدها، لما رأى منه من التساهل والنقر، فقال له رسول الله
:
{ ارجع فصل فإنك لم تصل } [البخاري ومسلم] فرجع فصلى كما صلى ولم يتم ركوعها ولا سجودها، فعلمه النبي
وقال:
{ إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } وفي لفظ:
{ ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت } [الإمام أحمد]
{
ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن
ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك
في صلاتك كلها } [البخاري].
وعلى ذلك فيجب على المسلم العناية بالصلاة كاملة حتى يطمئن فيها ويؤديها كما شرع الله، فالرسول
يقول:
{ صلوا كما رأيتموني أصلي } [البخاري]، فهي: أي الصلاة عمود الإسلام وأول ما يعرض على المسلم من عمله
فإن صلحت فقد أفلح ونجا وإن فسدت فقد خاب وخسر، وهي أيضاً إن قبلت قبل من
المسلم سائر عمله وإن ردت رد عليه سائر عمله. فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن
يعتني بها وأن يؤديها كامله تامة بطمأنينة وخشوع وعناية حتى يؤدي حق الله
كما أمره، وكما علمه رسول الله
لأمته.
ثم
الزكاة وهي الركن الثالث، فيجب أن يعتني المسلمون بها ويتقي كل مسلم الله
إذ أعطاه المال، الذي إن لم يشكر الله ويؤدي حقه فيه عذبه به فيحمى عليه
يوم القيامة ويعذب به إن لم يؤد الزكاة، ويصير على صاحبه وبالاً يوم
القيامة، وهل يرضى عاقل أن يعذب بماله يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين
ألف سنة ثم لا سبيل بعدها إلا إلى الجنة، أو النار، فإذا كان موحداً
مسلماً فإنه يدخل الجنة، أما المفرط فيدخل النار جزاء له على عدم إخلاصه.
وعلى ذلك فالواجب على جميع الناس أن يتقوا الله وأن يؤدوا حقه امتثالاً
لقوله تعالى:
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم
مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ
أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]. ويقول سبحانه:
وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39]. ويقول جل وعلا:
وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً [المزمل:20].
وفي الأحاديث الصحيحة يقول النبي
:
{ ما من يوم يصبح فيه الناس إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، والثاني يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً } [البخاري ومسلم].
وفي
الصدقة نفع عظيم للفقراء والمساكين، فليتق المسلمون الله في أموالهم،
وليحذروا اكتساب المال من الطرق المحرمة كالغش والخداع والربا، مع الحرص
على كسب المال من الطريق الشرعي المباح وأداء حقه من الزكاة وغيرها من
النفقات التي تجب لأولادك والزوجة وغيرهم ممن يجب عليك الإنفاق عليهم
والإحسان إليهم. سائلين الله المولى سبحانه أن يفقهنا في الدين، وأن يعيذنا
من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع قريب.